في رحلة البحث الفلسفي والعلمي التي قادها العقل الإسلامي القديم، يبرز اسم العالم الشامل والفيلسوف المتألق أبو علي حنين بن ثابت بن قُراش المعروف بابن سينا كمصدر ثري للمعرفة الإنسانيّة. أحد أهم مساهماته البارزة هي نظريته بشأن "الإدراك الحسي". هذا المصطلح الدقيق الذي يستخدمه ابن سينا للإشارة إلى العملية العقلية التي نستقبل بها التجربة الخارجية ونحولها لتكون ذات معنى بالنسبة لنا داخل رؤيتنا الذاتية للعالم.
تعتبر نظرية ابن سينا حول الإدراك الحسي جزءاً أساسياً من عمله الفلسفي الموسوعي "الشفاء"، والذي يعد واحدًا من أشهر الأعمال الفلسفية العربية القديمة. وفقًا لابن سينا، فإن عملية الإدراك تتضمن عدة مراحل تبدأ باستقبال المحسوسات -مثل الضوء والصوت والألوان- بواسطة الأجهزة الحسية لدينا (العين، الأذن وغيرهما). ثم يتم نقل هذه المعلومات إلى الدماغ حيث تتم معالجتها وتفسيرها بطرق مختلفة بناءً على التجارب الشخصية والمحيط الاجتماعي والثقافي للأفراد.
ويرى ابن سينا أيضاً دور الخيال والإرادة البشرية في تشكيل فهمنا للتجارب الحسية. فهو يؤكد أنه ليس فقط ما نراه يسمو إلى مستوى الوعي ولكن أيضًا كيف نفسر تلك المشاهدات بناءً على معتقداتنا وأهدافنا الداخلية. وهذه النظرية تنطلق منها العديد من النظريات الحديثة حول علم النفس والعلوم المعرفية.
إذًا، يمكن اعتبار فكرة ابن سينا حول الإدراك الحسي كمحاولة مبكرة لفهم تعقيد العلاقة بين الجسم والعقل وكيف تؤثر الظروف البيئية والتاريخ الشخصي في طريقة إدراك الإنسان للحقيقة والواقع. إنها دعوة للتفكير بشكل شمولي وموضوعي حول تجارب الحياة اليومية ومدى ارتباطها بالعمليات العقليّة الغامضة.