كانت الحضارة البيزنطية واحدة من أكثر الحضارات تأثيراً خلال العصور الوسطى، تتميز بعدة خصائص فريدة شكلتها ككيان مستقل ومتميز. أولاً، ترتكز هذه الحضارة على العقيدة الأرثوذكسية الشرقية للمسيحية والتي ساعدت في تشكيل هويتها السياسية والثقافية. كان لهذه المعتقدات تأثير عميق حتى أنها أثرت على البلدان الأخرى مثل بلغاريا, روسيا, وصربيا.
كما لعب الموقع الجغرافي للإمبراطورية دوراً محورياً في نشاطاتها التجارية. وكانت الجزيرة الوسيطة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا عبر "الطريق الحريري"، وهو الشريان التجاري الرئيسي للعصور الوسطى. لكن غزو العثمانيين أدى إلى تغيير طرق التجارة العالمية، مما دفع الأوروبيين إلى البحث عن طرق جديدة للتبادل الاقتصادي أدى بهم لاحقاً إلى اكتشاف الأمريكيتين.
بالانتقال إلى الجانب الثقافي، فقد شهدت الحضارة البيزنطية نهضة هائلة عززت التفكير الكلاسيكي والحفاظ على التراث الفني والمعماري المتنوع والجذاب. كان الفن جزءاً أساسياً من الحياة اليومية، حيث جذب انتباه الكثير من الفنانين الآخرين بما في ذلك الرسام الإيطالي الشهير جوتو. بالإضافة إلى ذلك، امتلكت العمارة البيزنطية طابعاً مميزاً جمع بين التأثيرات الرومانية القديمة والتصميمات المحلية التي غالبًا ما تعبر عن الدين المسيحي.
ومن الناحية الاجتماعية، حققت النساء البيزنطيات تقدماً ملحوظاً، إذ حصلن على الحقوق القانونية والأعمال التجارية، وحتى مشاركة محدودة في المناصب السياسية. وفي حين ظلت هناك حدود اجتماعية واضحة، إلا أنه يمكن اعتبار هذا مستوى أعلى بكثير من مكانتهن في المجتمعات الأخرى آنذاك.
وأخيراً، عرف البيزنطيون بإجادتهم في الحوارات المثمرة سواء أكانت فلسفية أو لاهوتية داخل كنيسة أرثوذكسهم. هذا النهج المنفتح للنقد والنظر قد قدم إسهامات مهمة لتكوين تراث ثقافي وفكري ظل مؤثرا حتى يومنا هذا. وبالتالي فإن تعريف الحضارة البيزنطية ينطوي على دراسة مجموعة متكاملة ومترابطة من هذه الجوانب المختلفة ولكن التآزر.