يعد "الجني الداني في حروف المعاني"، مؤلفًا قيّمًا تركه لنا العالم اللغوي محمد بن علي بن محمد بن علي المرَّادي، والذي يعد أحد أهم الأعمال في تاريخ الأدب العربي المتعلق بحروف المعاني. هذا الكتاب الرائع هو نتاج بحث معمق حول حروف العربية وتنوعاتها، مستعرضًا آراء العديد من النحاة القدماء قبل صاحب العمل نفسه.
تنظيم العمل جاء وفق هيكل واضح يشمل قسمًا تمهيديًّا ثم أبواب متخصصة لكل فئة من حروف المعاني. بدأ المؤلف بتحديد وتعريف الحرف والمعنى والحاجة لتسميته بذلك، موضحًا أيضًا تعداد هذه الحروف في اللغة العربية. ثُم شارك بناؤه التفصيلي لحقول مختلفة للحروف بناءً على عدد أحرف كل حرف معاني.
الأولى تناولت الحروف المفردة مثل 'التاء' و'الكاف'. الثانية احتوت الحروف المركبة من حرفين كنظام 'أو' و'إن'. والثالثة ركزت على ثلاثيات مثل 'أجَل' و'ثَم'. بينما رابع الأبواب ضم رباعيّات كـ 'أما' و'وليْت'. أخيرًا، اختتم بالأعلى سادسا للأحرف الخمسينية الوحيدة 'لكِن'.
استخدم المؤلف أساليبه الخاصة في التحليل والتقييم اعتمادًا على عدة مصادر بما في ذلك القرآن الكريم, الحديث النبوي, الشعر الجاهلي, بالإضافة إلى تراث مدارس نحوية متنوعة عبر الزمن. لقد حرص على الأخذ بكل شهادة سامعية بغض النظر عن درجة الاعتراف بها ضمن مدرسته النحوية المفضلة والتي يبدو أنها تقترب أكثر نحو مدرسة الكوفة بالنظر لتوسعها الواسع في السمع. وهذا يدعم النهج الوصفي التاريخي الذي اعتمده المرَّادي في دراسته لهذه المواضيع.
تأثر المؤرخ بشكل كبير بأساتذته السابقين خاصة أبي حيَّان الغرناطي، وهو ما انعكس بدوره على نهجه الأكاديمي الذي سعى للتكامل والاستفادة من كافة المناهج النحوية المختلفة. رغم عدم ارتباط مباشر بهذا المصنف بالمناهج التقليدية الأخرىمثل المدرسة البغدادية - حسب البعض - إلا أنه يبقى عملًا مبتكرًا يساهم بفهم عميق لأبعاد التعقيدات داخل النظام الصوتي للكلمات العربية.
