تركت الدولة العباسية بصمة واضحة ومؤثرة في تاريخ الحضارة الإسلامية والعالم بشكل عام. فقد شهد هذا العصر تنوعاً كبيراً في الجوانب الأدبية والعلمية والفنية، مما جعلها فترة ذهبية للتطور المعرفي والثقافي للإنسانية جمعاء. ازدهرت العديد من المجالات المختلفة تحت مظلة الاهتمام الرسمي الكبير بالتعليم والأبحاث العلمية.
في مجال الأدب مثلاً، برزت حركة شعر النثر التي شكلت نقلة نوعية عن الشعر التقليدي العربي. أسس أبو نواس مدرسة جديدة للشعر الساخر والمعبر عن المشاعر الإنسانية اليومية بطريقة غير مسبوقة. كما كانت بغداد العاصمة مركز تجمع الشعراء والمفكرين الذين أثروا المكتبة العربية بمجموعة متنوعة من الأعمال الأدبية المتألقة.
وفي الجانب الفني، انتشرت فنون الزخرفة والنحت والحفر على الخشب والمعادن، بالإضافة إلى تطوير تقنيات الرسم والتلوين الدقيق. لم يكن الفن مجرد زينة ولكن له دور تعبيري كبير يعكس الأفكار والقيم المجتمعية آنذاك.
أما بالنسبة للأعمال العلمية، حققت الدولة العباسية تقدماً هائلاً في الطب والكيمياء وعلم الفلك وعلم النبات وغيرها الكثير. ترجم علماؤها أعمال غاليبينوس والديكارت وأرسطو اليونانيين ودمجوها مع ما لديهم من علوم لتقديم إسهامات فريدة للمعرفة العالمية. ومن أشهر هؤلاء العلماء ابن سينا وجابر بن حيان والخوارزمي وابن رشد.
وتعد مكتبات بغداد مثل مكتبة دار الحكمة منصة هامة لنشر المعرفة وحفظ المخطوطات القديمة ونقل التجارب عبر الحدود الثقافية. وقد لعبت هذه المؤسسات دوراً محورياً في ترسيخ مكانة العالم الإسلامي كمركز رئيسي للعلم والثقافة حتى يومنا هذا. إنها بذلك توضح كيف يمكن للحملات السياسية والدينية الاستراتيجية أن تساهم بشكل كبير في تشكيل هوية حضارية شاملة ومتعددة الأوجه.