يعد ظاهرة التضخم أحد أهم القضايا الاقتصادية التي تشغل بال الباحثين والمستثمرين وحتى الأفراد العاديين. يمكن تعريف التضخم بأنه الزيادة المستمرة في مستوى الأسعار لفترة زمنية معينة. هناك العديد من الأسباب الرئيسية التي تساهم في تفاقم هذه الظاهرة، والتي نستعرض بعضها فيما يلي:
- زيادة الطلب: عندما يزيد الطلب على السلع والخدمات بشكل كبير يفوق القدرة الإنتاجية للاقتصاد، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار مما يعزز بدوره معدلات التضخم. هذا الوضع يمكن أن يحدث نتيجة لنمو اقتصادي قوي، والذي يسحب موارد إضافية نحو السوق.
- السياسة النقدية غير الحذرة: إذا طبقت الحكومات سياسة نقدية توسعية بشدة بإصدار كميات كبيرة من الأموال بدون زيادة مقابلة في الإنتاج، فقد ينتج عنها تضخم بسبب فائض المعروض النقدي مقارنة بالإمدادات المتاحة.
- ارتفاع تكلفة العمالة: إذا ارتفع أجور العمال بنسبة أعلى بكثير من زيادة إنتاجية العمل، فإن الشركات غالبًا ما تنقل تلك الزيادة في الأجور إلى مستهلكيها عبر رفع أسعار منتجاتها، وبالتالي تعزيز مستويات التضخم.
- نقص المعروض: نقص المواد الخام الرئيسية مثل النفط والمعادن الثمينة قد يدفع الأسعار للأعلى نتيجة للطلب المرتفع عليها. هذا النقص قد يكون نتيجة لكوارث طبيعية خارجية أو حروب وتوترات جيوسياسية أخرى تؤثر سلباً على سلسلة توريد السلعة.
- الديون العامة المرتفعة: الديون العامة الكبيرة والدائنة تميل أيضًا لتحفيز التضخم نظرًا لإمكانية استخدام الأنظمة المالية لدفع ثمن الفوائد والإقراض العام. عند القيام بذلك باستخدام أموال جديدة مطبوعة حديثا، يتم ضخ المزيد من المعروض النقدي مما يخلق حالة من التضخم المنخفض المستمر.
- العولمة والتجارة الدولية: تعتبر التجارة العالمية عاملا مهما آخر يلعب دورا هاما في تحديد اتجاه التضخم. حين تكون البلاد عضوًا نشيطًا ومشاركًا فعالًا ضمن سوق عالمية متحركة ومترابطة، ستتأثر مباشرة بأسعار الاستيراد والتصدير العالميّة مما يؤثر بدوره علي سعر الصرف المحلي واحتمالات ظهور حالات من الركود والانتعاش التي ترتب آثار مضاعفة عليه .
- السلوك الاحتكاري: الاحتكار داخل الأسواق المحلية يمكن له أيضا التأثير بشكل مباشر وغير مباشر علي توقعات وأسعار المنتجات المختلفة ، إذ يحتكر اللاعب الأكبر قطاع عريض ويفرض شروطه الخاصة بما يسمح بتحقيق ربح مجحف للمستهلك النهائي بالسعر النهائي مقابل سلعة ذات جوده ثابتة ولكن تغذي الجيوب الرأسمالية فقط .
هذه فقط بعض العوامل الأكثر شيوعاً المؤدية للتضخم؛ لكن الأمر أكثر تعقيدا بكثير ويعكس مدى ارتباط التطور الاقتصادي بالعوامل الاجتماعية والنظام السياسي للقوة التفاوضية بين مختلف الأطراف داخليا وخارجيا كذلك . فهم ديناميكيات كل عامل وحده ليس كافياً دائماً لرصد الاضمحلال التدريجي لوحدة المال وعلاقات استقرار الاسعار طويل المدى إلا بالتوازن المثالي لكل منها وصياغة سياسات مكملة ذكية لتوجيه مسار الاتجاه الاقتصادي العام للحكومة تجاه تحقيق توازن مستدام يحمي المصالح الوطنية للشعب وقطاعي الأعمال والصناعة فيه سواءً قصيرة المدى أم طويلة الأجل . إن إدراك تاريخ اسباب اندلاع موجة تضخم واحتواء مخاطر انتشاره هو مفتاح نجاح السياسات المالية المقترحة لمقاومة الموجة المقبلة بنجاح .
ختاما ، تبقى إدارة السياسة المناسبة حول نسبة محددة للإشراف ومنع المشاكل قبل حدوثها هي الغاية القصوى المسعى اليها لمنع اعتماد إجراءات عاجلة غير مؤثرة لاحقا لحجب الضرر الناجم عنه .