شهد القرن الخامس عشر والسادس عشر نهضةً كبيرةً في الاكتشافات الجغرافية التي قادتها القوى الأوروبية مثل البرتغال وإسبانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا. هذه الرحلات البحرية نحو العالم الجديد -الأمريكيتين- ومعاودة طريق الهند عبر رأس الرجاء الصالح أدت إلى تغيرات عميقة أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على العديد من جوانب الحياة البشرية بما فيها الأبعاد الاقتصادية والثقافية. يُطلق مصطلح "الميركنتيلية" عادة للإشارة لأنظمة التجارة الاستعمارية تلك والتي كانت أساساً لنمو اقتصاديات الدول الأوروبية خلال العصر الحديث المبكر.
بدأت مبدأ الميركنتيلية مع فكرة حماية المصالح الوطنية التجارية والعسكرية، مما دفع الحكومات الأوروبية للاستثمار بكثافة في بناء أساطيل بحرية وإنشاء شبكات تجارية واسعة تمتد حول العالم. كان الهدف الرئيسي للميركنتاليّة هو زيادة الثروة العامة للدولة من خلال تعظيم صادراتها وتقليل وارداتها عبر سياسة الحمائية الجمركية والحصول على المواد الخام والموارد الطبيعية من المستعمرات الخارجية. وقد ساعد هذا النهج بعض الدول مثل بريطانيا في تحقيق تفوق اقتصادي عالمي طويل المدى.
كان لهذه السياسات تأثير كبير على المساحة الجغرافية للعالم أيضاً، إذ أدى توسع النفوذ الاستعماري الأوروبي إلى تغيير خرائط الدول التقليدية وتشكيل حدود جديدة واقتسام موارد الأرض بين القوى العالمية المتنافسة. بالإضافة لذلك، فقد ساهمت رحلات الاستكشاف في اكتشاف مناطق وأمم وثقافات لم تكن معروفة سابقًا للغربيين، مما عزز الفهم العام للعالم المعقد متعدد الثقافات والتنوع البيولوجي.
في الجانب الاجتماعي، ربما كان للأثر السلبي الأكثر بروزاً فيما يتعلق بالممارسات العنيفة والاستغلال التي تعرض لها السكان المحليون أثناء عملية الإمبريالية الغربية. فعلى الرغم من الدوافع النظرية لبناء مستعمرات قائمة على تبادل ثقافي وحضاري مفيد لكلا الطرفين، إلا أنه غالبًا ما انتهكت حقوق الإنسان ولم يتم الاعتراف بحق الشعوب الأصلانية في تقرير مصائرها الخاصة بموجب قوانين القانون الدولي القديم آنذاك.
من منظور آخر، شهدت حركة الانتقال الإنساني الضخمة تغييراً جوهريا في تدفق الأفراد والبضائع والمعرفة عبر الحدود السياسية والإقليمية؛ وهذا بدوره مهد الطريق لتطور عالم أكثر اتصالاً ومتفاعلاً عبر التاريخ. ومن الواضح اليوم كيف تتداخل جذورنا المشتركة في تاريخ الانسان مع تلك الحقبة الزمنية المثيرة للاهتمام، حيث نرى آثار آثار تلك الأحداث حتى يومنا الحالي من حيث العلاقات الدولية والقضايا الأخلاقية المرتبطة بالاستعمار وما بعده. إن فهم ديناميكية الميركنتيلية يساعدنا أيضًا على تقدير التعقيدات النابعة عن السياقات الثقافية المختلفة وكيف يمكن لإدارة التجارة العالمية أن تشكل مسارات المجتمع البشري المستقبليه.