نشأة وتطور القانون التجاري عبر التاريخ

بدأ القانون التجاري كمجموعة من القواعد المستمدة من الأعراف والتقاليد التجارية القديمة. يعود الفضل للأمم الأولى مثل البابليين والآشوريين والفينيقيين وا

بدأ القانون التجاري كمجموعة من القواعد المستمدة من الأعراف والتقاليد التجارية القديمة. يعود الفضل للأمم الأولى مثل البابليين والآشوريين والفينيقيين والإغريق في وضع أساسيات تنظيم الصفقات والتبادلات التجارية. وقد برزت أهمية هذه الممارسات الاقتصادية الهامة في تعزيز الروابط الاجتماعية والثقافية والتجارية بين المجتمعات المختلفة.

في زمن الآشوريين، ظهرت عقود مهمة تسهم في بناء الثقة بين الأطراف المتعاقدة، بما في ذلك شراكات الأعمال، والقروض، والوكلاء العموميين. بينما طور الفينيقيون، الذين كانوا مهيمنين على ساحل البحر الأبيض المتوسط الشرقي، قاعدة قانونية متقدمة تتعلق بالنقل البحري، ولا تزال العديد من مبادئهم مستخدمة حتى اليوم. ومن أشهر نتاجاتهم نظام خسائر الأمتعة البحرية المشترك، الذي ينص على مشاركة خسائر سفينة ما بسبب طرح جزء من الحمولة للحفاظ عليها من الغرق.

الإغريق القدماء لهم فضل إدخال عقد جديد يُسمى "القرض المقسط"، وهو اتفاق يقرض فيه أحد مالكي السفن شخص آخر رأس المال اللازم لشحن سفينة بشرط أن يحصل المرخص له بفائدة مرتفعة إذا نجحت الرحلة واسترد المال بكل سلامة، وإذا فشل فإنّه يحتفظ بماله فقط.

مع انتشار الدين الإسلامي وصعود المدن الإسلامية الكبرى خلال القرن الخامس عشر الميلادي، شهد العالم العربي نهضة كبيرة في مجال التجارة والاقتصاد. وفي ظل التعاليم الدينية المحافظة على الصدقية وعدم احتكار السوق والربا، تحددت مبادئ أساسية لإدارة العمل التجاري تتمثل في الحرية في تقديم الأدلة وحظر المضاربة وغيرها الكثير. كما أثرت مفاهيم الشركة بالأوراق المالية والشهادات المالية بشكل عميق على منظومة العمل التجاري آنذاك.

خلال القرون الوسطى لاحظ نمو هائل للتجارة داخل ديار إيطاليا وخاصة لاتسيو ولومبارديا وبولونيا جنوة وفيليني وميلانو حيث قامت هيئات تجارية تعرف باسم "الطوائف" برعاية مصالح التجارة المحلية وكانت توكل مسؤوليات حل النزاعات الداخلية إلى رؤساء منتخبين يعرفون باسم "القناصلة". وتم ترشيح هؤلاء الرؤساء وفقًا لعادات وعرف محدد سابقاً وكان مساعدتهم فعالة للغاية في ترسيخ آليات جديدة لحماية حقوق التجار وتعزيز الانضباط المهني ضمن مجتمعات الأعمال الصغيرة والكبيرة alike. لذلك تعتبر فترة النهضة الأوروبية وقتًا مثمرًا للإبداع والتقدم العلمي والمعاصر أيضًا بتقديم قوانين مدونة تجارية ذات تأثير عالمي.

لقد غيّر ثورة الاتصال الحديثة وانطلاق وسائل الإعلام الجماهيريّة ونشوء تكنولوجيا الكمبيوتر وجهة نظر العامة جذريًّا حول ماهيته وظروف وجوده وقدرته العملية كذلك. ولم يعد اقتصاد اليوم مقتصراً على المصارف والسوق المحلي بل امتدت حدوده ليصبح مشهدًا عالميًا مترابط ومتغير باستمرار ويتطلب قدرة أعلى بكثير لفهمه والاستعداد لاستقبال ابتكارات غير متوقعة قد تغير طرق التفكير والسلوك الطبيعية لحد الآن! لم تعد مجرد عبارات مجردة ولكنها واقع حي يجسد قوة التأثير الثقافي والجغرافي لكل بلد تجاه الآخر وتحولات البشر نحو المزيد من ترابط واتساع للساحة العالمية الواحدة فقط!

وفي نهاية المطاف، يشير وصف الحقائق المبنية سابقا بأن جوهر النظام القانوني التجاري مكتسبٌ ليس بإرادتها الذاتية رغم استقلاليتها الظاهرة لكن باكتساب خبرة وسجل عملي مكثف مما أدى لرؤية تفاضلي واضحة بالمقارنة بحزمة القواعد المنظمة للنظام العام للدولة الغير تجارية ويصف ابن رشد العلاقة بينهما بالحصر حين يقول:"...أن ما أجازه الناس في تعاملهم جعل منه حكمًا اعتباريًا لأنه عرف بذلك عندهم واجتمع عليه قولهم..." وهذا يعني ان مصدر دستوره الأساسي هو الواقع العملي والحاجة إليه وليس قراراتها المكتوبة أصليا .


سفيان بن الطيب

1156 Blog indlæg

Kommentarer