- صاحب المنشور: عبد النور السعودي
ملخص النقاش:
التكنولوجيا هي جزء لا يتجزأ من حياتنا المعاصرة، حيث أثرت تأثيراتها الواسعة في جميع مجالات الحياة. وفي هذا السياق، فإن تأثير التكنولوجيا على الثقافة المحلية يعد موضوعًا مثيرًا للجدل والنقاش المستمر. فمن جهة، توفر التقنية وسائل جديدة للتواصل والحفاظ على الأعراف والتقاليد العريقة، بينما من الجهة الأخرى تهدد بتغيير هيكلها وتفكك بنيتها الأصلية.
في المجتمعات العربية والإسلامية تحديداً، تتمثل ثقافتنا في عادات وتقاليد راسخة وأصول دينية متوارثة عبر الأجيال. هذه القيم والثوابت تعتبر ركائز أساسية لحماية هويتنا الوطنية والدينية. ولكن مع دخول تيار الثورة الرقمية الحديثة، واجهت تلك الهوية تحديات غير مسبوقة. فقد فتح الإنترنت أبوابه أمام العالم بأكمله، مما أدى إلى تبادل الأفكار والمعارف بين مختلف الشعوب والثقافات العالمية بسرعة قياسية. وهذا الأمر لم يكن مفيداً فقط من حيث توسيع آفاق الفهم والفكر الإنساني؛ ولكنه كان له أيضًا جانب سلبي يتمثل في تعرض مجتمعاتنا لأفكار وقيم غريبة قد تتصادم مع معتقداتنا وثوابتنا الدينية والأخلاقية.
وعلى الرغم من الخير الذي جلبه الانفتاح العالمي الناجم عن الثورة التكنولوجية -كالوصول للمعلومات والمعرفة بطرق أكثر سهولة وكفاءة– إلا أنه يجب الاعتراف بأن هناك مخاطر محتملة مرتبطة بهذه العملية. فعلى سبيل المثال، يمكن لاستخدام المنصات الاجتماعية الضارة نشر معلومات خاطئة أو تشويه الصورة الحقيقية لثقافتنا وهويتنا الأصلية. كما يمكن أن تؤثر المحتويات الافتراضية المغلوطة على تصرفات الشباب والشابات وتؤدي بهم لاتباع طرائق حياة مختلفة تماما عما نشأنا عليه. لذلك، ينبغي تعزيز القدرات الإعلامية لدى أفراد المجتمع لتحري المعلومات الصحيحة وموازنة التأثير المتعدد الاتجاهات لهذه الوسائل الإلكترونية الجديدة.
وفي نفس الوقت، لا يمكن إنكار أهمية دور التكنولوجيا كوسيلة محورية للحفاظ على تراثنا الثقافي وتمثيله عالميا. فالمدونات الصوتية والفيديوهات الرقمية وغيرهما من الأدوات المقروءة والمسموعة والمصورة تسمح لنا بعرض تاريخنا وهويّتنا للعالم الخارجي وإظهار جماليات لغتنا وتراثنا الغني بتشكيلاته وأنغامه الموسيقية وفنونه الشعبية. وبالتالي، أصبح بالإمكان نقل رسالة حضارية مباشرة ومتفاعلة تساهم بإعادة تعريف صورة الشرق الأوسط والعالم العربي كمصدر رئيس للإبداع والإنجاز البشري الأصيل وليس مجرد مكان ثانوي تابع لتلك الدول التي سبقت فيه سبقا تكنولوجيا بارزا خلال القرن الماضي وما قبله بكثير!
ومن هنا ظهرت ضرورة مواجهة آثار التحول الكبير نحو عصر رقمي جديد بات يشكل خيارات حاسمة بشأن مستقبل مجتمعاتنا واستقرارها داخليا وخارجيًا أيضاُ مقابل الدول المختلفة حول العالم الراغب بالحصول علي نصيب منها من تركة التاريخ الأخاذ لهذا الجزء الأساسي والجذور الأولى لكل البشر الذين خلقوا على وجه الكوكب منذ بداية الخلق الأول .
إن استراتيجيات بناء علاقة صحية وعادلة ومتكاملة بين تقنيات اليوم ومنظومة ثقافتنا القديمة ليست مهمة بسيطة ولا أمر يسير التحقق منه نظرياَ فضلا عمّا يعتري عملية التطبيق العملي كذلك فهو يعتمد بدرجة كبيرة علي بناء جيل قادر وصاحب رؤية واضحة وجاهزة للاستجابة للقضايا المطروحة حالياً وآخرى ستبرز لاحقاً وذلك بالتأكيد لن يأتي الا عبر التعليم المناسب والذي يسمح للأطفال والشباب بالاستمتاع بمباهج الفنون الجميلة وتعليم اللغة الأم بالإضافة إلي تزويدهم بمهارات التعامل الآمنة مع وسائل المواصلات الاعلام الجديد والتي تعد أحد أبرز عوامل التشكل الرئيسي للتوجه الذوق العام للشعوب بعد سنوات قليلة قادمة .
هذه الدراسة التحليلية تعرض بعض جوانب الموضوع الشائكة فيما يتعلق بفكرة "تأثير التكنولوجيا على الثقافة المحلية". فهي تقدم منظور شامل يركز على كيفية استخدام التقنيات الحدي