- صاحب المنشور: رحاب المدني
ملخص النقاش:
في ظل عالم تواجه فيه العديد من الدول تحديات اقتصادية هائلة بسبب جائحة كوفيد-19 وتداعياتها الكبيرة على الأسواق العالمية، يبرز نقاش حاد حول أفضل الطرق للتعامل مع هذه الأزمات. هناك وجهتان رئيسيتان لهذا النقاش؛ الأولى تدعو إلى سياسات توسعية تستند إلى الاقتراض الحكومي والمزيد من الإنفاق لتحفيز الاقتصاد، بينما تؤكد الثانية على أهمية تقليص الدين العام والتركيز على الاستقرار المالي وتحقيق نمو مستدام.
السياسات التوسعية: تحفيز الاقتصاد عبر الإنفاق والاستدانة
تروج هذه النظرية لفكرة أنه خلال فترات الانكماش الاقتصادي الشديد، يمكن للحكومات استخدام سياسة نقدية ومالية توسعية لتضخيم الطلب المحلي والدولي. تتضمن ذلك خفض أسعار الفائدة وخلق كميات أكبر من المال المتداول بالإضافة إلى زيادة الإنفاق الحكومي سواء كان على البنية التحتية أو الرعاية الاجتماعية أو الصناعات الرئيسية. هذا النهج يهدف لإعادة الثقة للمستثمرين وبالتالي تشجيعهم على استثمار أموالهم مرة أخرى مما يعزز من فرص العمل وينمي الاقتصاد.
من أشهر الشخصيات التي دافعت عن هذا المنظور هو جون ماينارد كينز الذي اقترح "نظرية العرض الكلي"، والتي تعتبر أساساً لمعظم المناقشات الحديثة بشأن كيفية التعافي من الركود الكبير. وفقا لكينز، فإن الدورات الاقتصادية ليست جزءًا طبيعيًا من السوق الحرة ولكنها نتيجة للتغيرات غير الطبيعية في مستوى الطلب الإجمالي. ولذلك فهو يقترح التدخل الحكومي للاستجابة لهذه التقلبات.
التركيز على الاستقرار المالي والحفاظ على الدين العام
النظرية الأخرى اتجاه نحو أكثر واقعية فيما يتعلق بالاستدامة المالية للدولة. تركز هذه النظرية على إدارة ديون الدولة بطريقة تضمن عدم تفاقم مشاكل الفوائد المستقبلية وتعريض البلاد لعواقب خطيرة مثل عجز الحكومة عن دفع ديونها أو فقدان درجة التصنيف الائتماني الخاصة بها. كما أنها تعد بأن تحقيق نمو طويل المدى بدون انبعاث ديون جديدة أصبح ممكنًا حيث يمكن للسوق الناضجة ذات القوة التحفيز الذاتية أن تعوض أي نقص في الطلب الخارجي.
هذه الفكرة مدعومة بشدة بواسطة روبرت لوكاس جونيور وألان جرينسبان اللذين يؤكدان ضرورة إجراء تخفيضات حادة فورية وغير متوقعة للإنتاج الحكومي عند وجود مؤشرات واضحة للاقتصاد المتنامي بسرعة كبيرة جدًا مقارنة بمعدلات التوظيف طويلة الأجل. وذلك لأن التسريع الزائد قد يؤدي إلى ارتفاع قوي وغير قابل للتحكم في معدلات التضخم والذي سيكون أكثر كارثية بكثير إذا لم يتم احتوائه مبكرًا.
الموازنة بين الاثنين: طريق معتدل نحو النمو المستدام
بالنظر لكلتا الفكرتين بعناية نجد نقاط قوة وضعف ضمن كل منهما. إن السياسة التوسعية لها دور مهم في توليد الوظائف وتعزيز الانتعاش خلال الفترات الصعبة لكن الاعتماد عليها باستمرار قد يشكل عبئاً ثقيلاً على الموازنات العامة ويرهق القدرة الوطنية على تحمل الديون الدولية. وفي المقابل، تجنب المخاطر المحتملة للنفقات الباهظة ليس بالأمر السهل خاصة حين تكون الظروف الاقتصادية هشة للغاية وقد تحتاج لأكثر من مجرد تقشف بسيط لتتأرجح بعيدا عنها نحو حالة صحية مستقرة وآمنة ماليا. ربما الحل الأنسب هنا يكون في نهج متوسط يستغل مزايا الجانبين ويتجنب مخاطرهما القصوى - وهو أمر ثابت ومتطور حسب خصوصيات وشروط السياق الجغرافي والاقتصادي الخاص بكل بلد.
وفي النهاية، يبقى الأمر الأكثر مركزا بالنسبة لهيئة صنع القرار السياسية المتعلقة بالإقتصاد هي دراسة الواقع الحالي والتخطيط الذكي لما بعد الخمس سنوات القادمة وما يناسب رؤية تلك الحالة المنتظرة بناء علي توقعات دقيقة وموثوقة من خبراء مجالات مختلفة ومتنوعة نظرًا لحساسيتها وعدم قدرتها علي التأثر برد فعل عام لبرامج قصيرة المدى إلا أثناء حالات الضرورة الملحة لحماية الأمن الاجتماعي والسلم الوطني واستعداد النفوس لسماع صوت الحكومة الجديدة الواثقة بنفسها وقدر