تعدُّ الصداقة واحدة من أسمى العلاقات الإنسانية التي يقدرها الإسلام ويحث عليها بشدة. فهي ليست مجرد رابط اجتماعي عابر، بل هي تعاون وتعاون وترابط عميق بين الأفراد. في هذا السياق، سنستعرض الحكم المرتبطة بالصداقة وفق المنظور الإسلامي، مع تسليط الضوء على خصائص هذه العلاقة النبيلة وكيف يمكن تطويرها وتعزيزها لتحقق قيم الدين الإسلامي.
في القرآن الكريم والسنة المطهرة، نجد العديد من الآيات والأحاديث الشريفة التي تؤكد أهمية ومكانة الصداقة الصحيحة. يقول الله عز وجل في سورة إبراهيم، الآية ١٨: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه". تشير هذه الآية إلى ضرورة اختيار الأصدقاء الذين يتصفون بالأخلاق الحميدة والتزام الطاعات الدينية، مما يدعم الفرد في سبيل تحقيق التقوى وطريق الحق.
ومن الأمثلة البارزة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم -صاحب أكمل خلق وأفضل أخلاق- تأتي صداقته مع الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه. كانوا مثالا حيا لما ينبغي أن تكون عليه الصداقة المسلمة؛ فكانا متكاتفين في الخير ملتزمين بتعاليم الدين الإسلامي. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتمسكهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (رواه البخاري). وهذا الحديث يؤكد على الوحدة المتينة المتبادلة بين المؤمنين والمؤمنات والتي تتطلب التعاضد والدعم المستمر.
كما وضحت السنة النبوية الشريفة جانبًا هامًّا آخر وهو الإخلاص والثقة بين الأصدقاء المسلمين. فعلى الشخص المؤمن أن يختار صديقه بحذر حتى يكون إيمانه وإحسانه كاملا وخالصا لله سبحانه وتعالى. وفي حديث صحيح رواه مسلم، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتبرؤ ممن تخلت أسراره لديه قائلاً: "أبغض الناس إلى الله من تخلت منه أسراره" (مسلم).
وفيما يتعلق بكيفية بناء وصيانة الصداقات المتوافقة مع القيم الإسلامية، فإن هناك عدة خطوات مهمة. أولًا، تنقيح دائرة المشتركين الاجتماعية باستبعاد أولئك الذين لا يساهم وجودهم بالإيجاب وبناء الشخصية الروحية والعقلية للإنسان المسلم. ثانيًا، الأخذ بنصائح الكتاب والسنة فيما يتعلق بمراقبة الأقوال والأفعال الخاصة بكل شخص قبل عقد الصداقة معه واتخاذ احتياطات ضد الشر والبلاء. ثالثًا، تقديم النصائح والإرشادات للأصدقاء عند ارتكاب الخطايا أو الأعمال السيئة بطريقة لبقة ولطيفة لتعود بهم نحو طريق الاستقامة والصلاح مجددًا. رابعًا وليس آخيراً، الحرص على التواصل المنتظم ودعم بعضهما البعض بما يحقق رضوان الله تعالى ويقيم علاقة مبنية على المحبة والخير الدائم دائمًا.
وبهذه الطريق، تصبح الصداقة المسلمة حاجز وقائي لحياة إنسانية أكثر صلاحاً وسعادة تتماشي مع غاية الحياة الدنيا وهي عبادة الله سبحانه وتعالى وحده بلا شريك. إنها حالة نقية ونقية تجمع بين روحانية التدين والإنسانية الطبيعية للعلاقات البشرية بشكل يفوق جميع أشكال العلاقات الأخرى خارج هالة الربانية.