في عالم مليء بالتحديات والمفارقات، يقف المتبنّون كشهادة حية على قوة الروح البشرية وجرأة القلب الإنساني. هذه الفئة الخاصة من الأفراد الذين لم يُرزقوا بالولادة الطبيعية داخل عائلاتهم البيولوجية، بل بدلاً من ذلك تم تبنيهم وتربيتهم بواسطة آباء آخرين ليس لديهم روابط دم معهم. إن تجربتهم فريدة ومعقدة؛ فهي تعكس قيمة الحب والعاطفة التي تتجاوز الحدود الجينية وتبرز أهمية الانتماء العائلي.
إن حياة المتبنَّين هي رحلة مثيرة وغنية بالعبر والتجارب الحياتية، حيث يسعون دائمًا لمعرفة جذورهم الأصلية واكتشاف هويتهم الشخصية. غالبًا ما تبدأ الرحلة برغبة ملحة لدى الطفل المتبنى لفهم خلفيته وأصوله. يشعر العديد منهم بحالة من الغرابة والاغتراب الداخلي لأنهم نشأوا ضمن بيئة مختلفة تمام الاختلاف عن تلك المرتبطة بهم عضوياً. هذا الشعور المبهم يمكن أن يؤدي إلى بحث عميق عن الذات ومحاولة لإعادة تشكيل هويتك بناءً على معلومات جديدة ومتجددة باستمرار بشأن تاريخ أسرتك قبل التبني.
ومع تقدُّم الشخص في العمر، قد يستمر فضوله حول أصله البيولوجي ويصبح أكثر تحديداً فيما يتعلق بمظهره البدني وسلوكاته وتعبيرات وجهه - كل ذلك محاولاً فهم ماهيته بشكل أفضل وفهم سبب اختلاف بعض جوانبه عنه الآخرين المقربين إليه اجتماعياً وعاطفياً. كثيراََ ما يقابل هؤلاء الأشخاص مواقف متنوعة أثناء استكشاف طريقهم نحو اكتشاف ذاتهم؛ فهناك البعض ممن يرحب بالأمر بكل حب واحتفال، بينما هناك آخرون ينظرون بخيبة الأمل تجاه فكرة عدم معرفة "الأصل". رغم كون الأمر مختلف لكل فرد حسب ظروف حياته وظروف عملية التبني نفسها والدعم الاجتماعي المحيط بها، إلا أنها جميعا تتميز بشخصيتها الفريدة وصورتها البارزة للعائلة البشرية الواسعة.
بالنظر إلى الحكم الناتجة عن التجربة الشخصية للمتنبين، نرى تأثيراً إيجابياً واضحاً عليهم وعلى المجتمع أيضًا. فهو يعلم المرء قيمة الأسرة وقوة الارتباطات النفسية والقلبية بغض النظر عن العلاقات الدموية الوراثية. كما أنه يساعد في نشر رسائل السلام والتسامح عبر تبني الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والمتبنِّين حديثا مما يخلق شعورا جديدا بالقيم الأخلاقية والإنسانية. بالإضافة لذلك فإن لهذه الفئة دور مهم جدا في خلق جو من المنافسة الإبداعية بين أفراد مجتمع واحد وخارج حدود الوطن الأمّـ بسبب تنوع الخلفيات الثقافية والجغرافية للأسر المنتمية إليها والتي شكلتها عملية تكافؤ الفرص التعليمية والثقافية المعاصرة للفرد المتحاور هنا حديثاً.
وفي نفس السياق نشير أيضا لما لهؤلاء الأطفال من تأثير كبيرعلى مستوى التأثير اﻹجتماعي وذلك بتقديم نماذج رائدة للتواصل الحضاري وبالتالي المساهمة بنشر ثقافة الانصهار والتلاحم بين مختلف الطوائف والشرائح الاجتماعية المختلفة خاصة أولئك المحرومين منها نتيجة عوامل خارجية قبِلَ الولادة مباشرة مثل حالات الحرب والخلاف السياسي والأزمات الاقتصادية والحروب الأهلية وغيرهما الكثير .
وفي ختام الحديث ، يبقى حكم المتبننين عن الحياة خير مثال حي ودليل دامغ علي قدرة الإنسان والعائلة بالإجمالي علي التحرك فوق الخطوط الحمراء التقليدية واستحداث مفهوم جديد للسلالة العائلية تعتمد أساساتها علي القناعة الداخلية بروابط المشاعر المشتركة وليس فقط المرجعيين الجينات المنتقلین genetically . إنها قصة تحكي كيف تزدهر روح شعب متعدد الثقافات بفضل تواصلكُم وحبكُم المُستدام وسط تحديات زمن عصيب ومختلفٍ للغاية!