- صاحب المنشور: مجدولين بن زيدان
ملخص النقاش:
في قلب كل مجتمع، يبرز نقاش قديم جديد يتناول دورهما المتنافس - العقل والعاطفة. غالباً ما يتم تصويرهما كخصمين غير قابلين للتوافق، حيث يُعتبر الأول منطقيًا وعلميًا بينما الثانية غالبًا ما تكون مشحونة عاطفياً وتؤثر على الحكم الشخصي. لكن هل يمكن التوفيق بين هذه القوى؟ وكيف يؤثر هذا الجدل على عملية صنع القرار الفردي والمجتمعي؟
العقل مقابل العاطفة: مقاربة تاريخية
منذ القدم، كانت الحكمة هي الاعتراف بقوة كل منهما. فالإغريق القدماء، مثل أفلاطون وأرسطو، أكدوا على أهمية المنطق والحجة العقلانية؛ بينما المسلمين الأوائل استلهمت تعاليمهم الدينية لتوجيه قراراتهم بحسب ما هو معقول ومستند إلى الأدلة الشرعية.
في القرن الثامن عشر، شهدت أوروبا نهضة في استخدام العقل كمصدر رئيسي للعلم والفلسفة، مما أدى إلى ظهور مفاهيم مثل "عصر التنوير". هنا برز العديد من الفلاسفة الذين شددوا على قوة التحليل العقلي كوسيلة للوصول للحقيقة والمعرفة، ومن هؤلاء كان ديكارت وفولتير وجان جاك روسو.
إلا أنه وفي الوقت نفسه، ظهرت أصوات خافتة تشدد على تأثير المشاعر الإنسانية تجاه فهم الذات والتفاعل الاجتماعي. الكاتب الرومانسي الألماني إي تي إيه هوفمان مثلاً رأى بأن الإبداع والإلهام يأتيان أساساً عبر البوح بالأحاسيس الداخلية والخارجية للمرء. وبالمثل، أشار كارل يونغ لاحقا ضمن علم النفس التحليلي الخاص به لدور اللاوعي الجمعي الذي يحرك الكثير من التصرفات البشرية ربما أكثر من العقل الواضح.
دور العلم والدين
على المستويين العلمي والديني، ينظر لكليهما باعتبارهما مؤسسين عقلانيا متأصلتين في البحث الموضوعي والتحقق التجريبي. إلا أنه عند التطبيق العملي، تظهر اختلافات جوهرية فيما يشكل "العقل" لكل طرف. بالنسبة للعلميين، تعتبر التجارب والأبحاث المعيار النهائي للغث أو الصحة النظرية لأي قضية مطروحة. أما لدى الدينيين فقد تلعب المعايير الأخلاقية والقيم الثقافية دوراً هاماً جنباً لجنب مع التأملات الشخصية المرتبطة بتعاليم الدين.
مثالا بسيطا لذلك هو موضوع الانتحار. وفق منظور طبي تقني صرف، فإن الانتحار يقع خارج نطاق العدالة الطبيعة لأنه يعرض حياة الإنسان عرضة للهلاك الصريح المخالف لقوانين الفيزيولوجيا الأساسية للإنسان والتي تحافظ عموما على حالة البقاء البيولوجية للجسد الحي حتى موته الطبيعي المنتظر أثناء تقدمه بالعمر ضمن حدود الزمن المدروس بيولوجياً. ولكن بالنظر لنفس المسألة ذاتها بمقتضى رؤية أخلاقيا روحيا دينية تبقى هناك احتمالات أخرى للقراءة مختلفة تمام الاختلاف بناء على معتقدات وقناعات مقدسة تتعلق بخالق الخلق سبحانه وتعالى ورغبته الحقّة التي تخاطب تفكير القلب وليس مجرد الرأس وحده بإمكانه الشعور بروح ونور الحياة الآخرة وما بعد الموت وهو الأمر المؤكد بنص كتاب الله المنزل إلي رسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول عز وجل:(ومن لم يجعل لله ناصراً فإنه يدخل النار().إنها دعوة للتفكر بعناية كبيرة قبل يوم القيامة والنظر نظرتك الأولى نحو مصائر النفوس المقسومة حسب اختياراتها الخاصة خلال عمر الدنيا المحدودة زمنيا . وهكذا تبدو المحصلة العامة لهذا النوع من المناظرات ليست بمعزلٍ جارف حقا إذ بالحكم النهائي سيقرر الجميع بدون شك وجود تدافع مستميت شره لعناصر عقيمة ضد عناصر راسخة متينة أمام تلك الاحتمالية الوهمية لغلبة جانب واحد عليها بغض النظر عن حجم تأثيره الظاهر حال قيام الساعة الأخيرة بشكل مباشر ! لأن الفرصة الوحيدة الوحيدة لإعادة النظر ستكون عقب الوصول مباشرة لمكان الوقوف مقام البرزخ وقد أصبح حينئذ أمر إعادة النظر فيه محكوم بالمطلق قدر المحتوم شرعا واجتماعيا أياما قليلة معدودة فقط تؤدي وظيفة حسم مسألة المصير الدائم سواء للشخصيات الأشد محافظة وإخلاصا أم الأكثر مادية واستسلاما لرغبات الأرض نفسها بلا طائل ابدا!