تقع مدينة صبراتة الجميلة على شواطئ ليبيا الغربية، وهي ليست فقط موقعًا ساحرًا يطلّ على البحر المتوسط بل أيضًا خزانًا أثريًا غنيًا ينضح بتاريخ عميق ومتنوع. تُعتبر آثار صبراتة خير دليل حي على ازدهار الحضارة الإنسانية عبر العصور المختلفة. بدءاً من المستعمرات القديمة حتى الإمبراطوريات العالمية، تحكي قصص تلك الآثار حقائق مهمة عن المجتمعات التي خلفتها خلفها.
بدأ الكشف عن ثراء مدينتنا عندما انطلق عمال التنقيب في أعمالهم، مما أدى لكشف ما يقارب نصف مساحة البلدة الأصلية. تشمل الاكتشافات الرائعة أشياء كثيرة منها هياكل خارج ميدان المدينة الرئيسي، وبناء مينائي متعدد الاستخدامات، وكذا منطقة سكينة مثالية للعيش تسند لمسرح قديم، إضافة لمختلف أنواع العقارات الرومانية - حماماتها ومعابدهم ومعابد نافورات المياه الخاصة بهم وغيرها الكثير!
ومن الواضح تمام الوضوح أنّ الجانب المسيحي للحياة له بصمة واضحة كذلك؛ فتوفر مراقد الأموات والأربعة كنائس الصغيرة دلائل واقعية بشأن دور الدين في حياتهم اليومية حينذاك. لكن يبقى معلم الاثار الأكثر شهرة هو مهرجان اثيوبيا الشهير والذي بني خلال اواسط القرن الثاني ميلادية وهو مصنوع جزئيًا من جذوع الأشجار المنحوتة بشكل جميل وجذاب للغاية ذات زخارف ومعارك وحالات مختلفة للنطق والحركات. بينما تستعرض الفن الكهنة نصوص مقدسة داخل المعبد الكبير لهرقل ولإيبيريوس وسيرابيوس وفوراوم ابولوس الشهيرة بفورتروم بازيليكاي المشابهة لتلك المساحات المقدسة للسجود إن كانت مبنى أساسيا للصلوات فقد تأثرت فيما بعد بإتباع المسيحية .
كما يشهد المدفن الملكي لأنتونيون البناء المهيب للإمبراطور ماركوس اوريلوس نفسه حوالي العام التسعين والتاسع والخمسون بعد الميلاد بكثير من الاحترام والإعجاب لفخره الشخصي وقداسة سلطته الهائلة آنذاك ، أما كاتدرائية جيستينيان المطوقة بحلي فسيفسائية جميلة جدًا ولا يمكن مقاومة جماليتها الطبيعية إنها قطعة فنية نادرة بكل المقاييس فهي تحمل مشاعر الطقسية والحضور الدائم لكل فرد يجوب اروقة القاعة الرئيسية لها منذ القدم ويمكن رؤية نسخة مصغرة عنها ضمن محتويات معرض الآثار الضخم الخاص بشعب الصراردة الأكيدين بأن التراث الوطني مصدر قوة واعتزاز دائم لشركتهم الوطنية.
ويرجع عمر هيكل بوينيكيان الى نحو القرنين الثالث والثاني ايام المملكة الفرعونية ولكنه ليس الوحيد فهو جزء واحد ضمن مجموعات أخرى متنوعة العمارة والدلالة عبر مناطق عدة بالمكان توضح نتائج الدراسات المكتسبة بأنه كان هنالك تواجد سكاني نشيط منذ نهاية القرن الخامس قبل الميلاد وكانوا آن ذاك مجرد تجمعات مؤقتة تابعين للدولة القرطاجة ولكن سرعان ما نما واستقر الأمر ليصبح وجه حضاري رئيسي خاص به إذ بدأوا ببداية العمران بانشاء سوق شعبي صغير وتحويله تدريجيًا لينضم اخيرا لقائمة المواقع الرسمية ذات التصنيف الروماني الرسمي رسميًا وليس مجاملة فهم يستحقونه حق الجدارة والجدارة !
بينما تتمثل الحقبات الانتقاليه فتاريخها المرصوف بالحروب والاضطرابات حيث حدث انهيار مفاجئ عقب مغادرتهم اثر حادث كارثي سببه الزلازل المدمرة وانتهاء بالتواجد البدوي غير آمن طريق التجاره وطبعا لذلك التأثيرات المؤلمة عليه مثل خسائر بشرية مادية هائلة ابتداءً من حلول عصر البيزنطيّة مرورًا بالقوة العربية الفتوحات الإسلامية وما صاحبها من أحداث دموية وصولا لنقطتي النهايه عند احتلال الاجداد العرب لشمالي افريقيا عامة بطولسك خصوصـًا ثم اعقبه انتشار الإسلام دين الوطن الأم بما يؤكد عشق الشعب بتراثه مهما تعددت ألوانه وانشقاقاته الزمانية والمكانية .
وهكذا، فإن لهذه الرحلة عبر آثر صبراتة قصة تتحدث عن الماضي بعظمة وروعة تحدوها رسالة إنسانية تجمع بين مختلف ثقافات العالم القديم والعصور اللاحقه, فعلى الرغم من تقلبات الدهور وظروف الحياة المتغيرة إلا أنها ستظل شاهدا خالدّا على تراكم الثقافة الانسانية وابداعات الإنسان التي صنعت اسم المكان وسط كمٍ هائل من الاعمال البشرية الأخرى بمختلف تسمياتها واشكال تصميماتها المتفردة.