تفكيك خطاب الاستئصال: حين يُلبس القمع لبوسَ الوطنية

في زمنٍ تضيق فيه صدور الساسة من الكلمات، تتسع فيه السجون لأصحاب الرأي، يتصدر الخطاب الاستئصالي المشهد.

هذا الخطاب لا يُحاور بل يُقصي، لا يُقنع بل يُخوِّن، لا يرى في المختلف رأيًا بل تهديدًا وجوديًا للوطن والدين والنظام.

1.

من رأي إلى جريمة: حين يُجرَّم الاختلاف

في العقلية الاستئصالية، كل من لا يشبهها هو عدو.

كل رأي لا يُعجبها مشروع فتنة.

وهكذا تتحوّل ساحة النقاش إلى ميدان تخوين وهذيان، تتردد فيه مصطلحات من قبيل: "خوارج العصر، طابور خامس، عملاء الخارج، دعاة الفتنة، الفكر الظلامي…" لكن الحقيقة أن أكبر تهديد للدولة ليس رأيًا حرًا، بل منظومة يرى في الرأي جريمة، وفي المعارضة خيانة.

2.

الدولة التي لا تُنتقد ليست قوية بل هشة

الخطاب الاستئصالي يُقدّم الدولة كما لو كانت كيان مقدّس فوق المساءلة، وكأن نقدها إساءة، وكشف خطئها اعتداء.

لكن الدول القوية التي تحترم نفسها تُقوَّم بالنقد، لا تُعبد، وتُراجع بالأدلة لا تُصفّق لها بالشعارات.

فالدولة التي تخاف الكلمة ليست دولة قوية، بل كيان هش مضطرب.

3.

تقليد أساليب القمع ليس مشروعًا حضاريًا

من المثير للأسى أن يطالب البعض، كما فعل نموذج الاختبار السالف الذكر، باستيراد "أساليب أمنية" من نماذج قمعية طفولية ثبت فشلها رغم حداثة عهدها، ظنًّا أن الصمت طريق إلى الاستقرار.

لكن دولة تاريخها ضارب في القِدم، متنوعة الأعراق، غنية الثقافة وثرية التراث، لا يليق بها أن تستنسخ تجارب صُممت لإخضاع مجتمعات صغيرة وحديثة.

هل بلغنا من الفقر السياسي أن نستورد حتى وسائل التسلط؟

هزُلت!

4.

خلط المفاهيم: الجهل قبل التهمة

يرمي بعضهم تهمة "الخارجية" جزافًا على كل صوت ناقد، دون أن يعرف أن "الخوارج" فرقة فكرية محددة لتعريف دقيق.

لو علم شيئا منها لانتبه لمن

1 Commenti