• صاحب المنشور: سهيل الدكالي
  
  ملخص النقاش:
  

  في عصر الثورة الرقمية، تواجه المجتمعات العربية تحديات جديدة فيما يتعلق بحفظ وتوثيق تراثها الثقافي الغني. هذا التراث الذي يُعبر عن هويتنا وأصولنا، أصبح معرضاً لخطر الضياع والتغييب بسبب التحولات الرقمية السريعة. من جانب، توفر التقنيات الحديثة إمكانيات هائلة لتسجيل ومشاركة المحتوى الثقافي بسرعة وكفاءة أكبر مقارنة بالأيام السابقة؛ ولكن من الجهة الأخرى، قد تؤدي هذه الأدوات نفسها إلى فقدان الأصالة والثراء الفريد للفنون والحرف اليدوية والشعر والنثر العربي الكلاسيكي والموسيقى وغير ذلك الكثير.

أولًا، هناك خطر "التسطيح" أو الـ"بنكاستيشن". حيث يمكن أن يؤدي سهولة الوصول الشامل عبر الإنترنت إلى تقليل قيمة الأعمال الفنية والعادات التقليدية التي كانت تُعتبر ذات أهمية خاصة داخل مجتمعاتها المحلية. كما أنها تقلل من الحاجة للممارسات القديمة مثل حفظ الشعر والإلمام بالكتب التاريخية، مما يهدد انتقال المعرفة والمعايير الأخلاقية بين الأجيال.

الأهمية الحاسمة للتكنولوجيا

مع ذلك، ليست كل التأثيرات تكنولوجية سلبية تماما. باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يمكن تحسين عملية ترميم الفن والأدب القديمين وتحقيق نتائج دقيقة أكثر بكثير مما كان ممكنًا سابقاً. بالإضافة لذلك، يمكن استخدام الواقع الافتراضي لإعادة بناء المواقع التاريخية المدمرة وإعطاء الزوار تجربة غامرة تعزز التعاطف مع القضايا المتعلقة بالحفاظ عليها.

دور التعليم والبرامج الوطنية

لتعزيز الحفاظ على التراث الثقافي العربي في مواجهة الرياح التكنولوجية، يلزم وجود سياسات وبرامج وطنية مدروسة جيداً. يجب تشجيع الشباب العرب على تقدير تاريخهم والتفاعل معه بطرق مبتكرة وليست تقليدية فحسب. وهذا يعني دمج عناصر التراث ضمن المناهج الدراسية وتعزيز الفرص لهم لممارسة وابتكار أشكال جديدة مستمدة منه.

كما يشكل العمل المشترك الدولي جزء مهم لحماية الأنواع المختلفة من التراث العالمي بما فيه العربي منها. سواء كان ذلك من خلال الاتفاقيات الدولية حول حقوق الملكية الفكرية أو الحملات العالمية للحفاظ على مواقع اليونسكو الثقافية والسياحية.

وفي النهاية، بينما تتطلب الطبيعة الديناميكية للتكنولوجيا استمرار تعديل طرق حمايتنا لتراثنا الثقافي العربي، يبقى الواضح أنه بإمكان التعاون الاستراتيجي والاستخدام الذكي لهذه الأدوات إنقاذ ملكتنا المشتركة من الظلام الرقمي وضمان بقائها حيّة ومتطورة للأجيال المقبلة.