في الأعماق الخفية للمجتمع البيولوجي للإنسان, توجد مجموعة معقدة ومعقدة للغاية من الكائنات الحية الدقيقة تعرف بالبكتيريا. هذه الأنواع الصغيرة تلعب دوراً حيوياً ومباشراً في العديد من جوانب حياتنا - بدءاً من الصحة العامة وحتى سلوكنا النفسي والعاطفي. الدراسات الحديثة كشفت عن فهم جديد لهذه العلاقة بين الإنسان والبكتيريا، مما يوفر نظرة عميقة حول كيفية تأثير البكتيريا على صحتهم وتطورهم.
البكتيريا هي جزء أساسي من ما يعرف بـ "ميكروبيوم"، وهو النظام البيئي المعقد الذي يشمل جميع الكائنات الحية الدقيقة التي تدعم الجسم البشري. يمكن العثور عليها في عدة مواقع مختلفة داخل جسم الانسان مثل الجلد والأمعاء والجهاز التنفسي. تعتبر البكتيريا الموجودة في الجهاز الهضمي خاصة مهمة جداً حيث أنها تساعد في هضم الطعام وتحويله إلى طاقة، بالإضافة إلى إنتاج الفيتامينات اللازمة للجسم. أي خلل في توازن هذه البكتيريا، غالبًا ما يُشار إليه باسم "اضطراب الميكروبيوم"، قد يكون له عواقب خطيرة تتراوح بين مشاكل صحية بسيطة مثل الإسهال حتى أمراض مزمنة مثل التهاب القولون التقرحي.
لكن ما هو الأكثر إثارة للدهشة ربما ليس فقط تأثيرات البكتيريا الصحية ولكن أيضا الذهنية منها. هناك بحث متزايد يشير إلى أن ميكروبيونتك (مجموعة البكتيريا الموجودة داخل أجسامنا) لها علاقة كبيرة بسلوكيات البشر وعواطفهم. دراسة نشرت عام 2018 في مجلة Nature Microbiology وجدت بأن الفئران المعدلة وراثياً لتكون بدون باكتيريا الأمعاء كانت أقل انخراطاً اجتماعياً وكانت تتميز بانعدام الاستجابة للألم مقارنة بفئران الضابطة ذات الميكروبيوم الطبيعي. بالإضافة لذلك، ثبت ارتباط اضطرابات النمو البكتيري بالأمعاء بالاكتئاب وبعض الاضطرابات النفسية الأخرى لدى البشر.
هذه الاكتشافات تحمل دلائل قوية حول مدى التعقيد والترابط بين العالمين الداخلي والخارجي لنا كمخلوقات بشرية – فالصحة الجيدة ليست مجرد قضية جسمانية وإنما نفسانية أيضاً. إن البحث المستمر في مجال الميكروبيوم سيستمر بلا شك في تقديم المزيد من الرؤى الهامة حول العلاقات المعقدة بين الإنسان والميكروب الحيوي، ولعل ذلك يساعد مستقبلًا في تطوير علاجات مبتكرة وأساليب وقائية لتحسين رفاهيتنا بشكل عام.