في حديث رواه مسلم، يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم أثناء سجوده: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك". هذا الحديث يحمل بين طياته دروسًا عميقة حول طلب الخلود تحت درع رضا الله تعالى وتجنب غضبه، بالإضافة إلى الاعتراف المطلق بوحدانية الرب عز وجل.
يشرح المفسرون عبارة "وأعوذ بك منك" بأنها تعكس مدى الاعتماد الكامل على رحمة الله ودفاعاته ضد عقابه المحتمل. فالذي يخوفنا -أي عقوبة الله- ليس بعيدا عن قدرته وسيطرته؛ لأنه مصدر كل شيء وخالق كل شيء. لذلك فإن الاستعاذة بهذا الشكل ليست فقط طلب حماية من مخاطر خارجية، ولكن أيضا تأكيدا على أنه مهما كانت الظروف، فإن السلطة النهائية والكلمة الأخيرة هي له ولرحمته الواسعة.
كما يشير البعض مثل الشيخ ابن القيم إلى أن هذه العبارة تحتوي على جوهر الوحدانية التامة. عندما نقول "أعوذ بك منك"، نحن نعترف بذلك الجمع الكلي للملكية والقوة والحكمة والإرادة داخل الذات الإلهية. فنحن نسعى للحصول على الحماية مباشرة منه، وليس عبر وساطة أي قوة أخرى، لأن القدر والمآل يرجعان إليه وحده. إنه الذي يجلب الضرر والمحنة وكذلك الذي ينجي ويسعف. وهذا يعكس فهمًا عميقًا لتعاليم الإسلام فيما يتعلق بشرعية التفرد والتبعية للإله الواحد.
وفي نهاية الأمر، يدور الحديث هنا حول قبول المساحة الصغيرة لدينا أمام النفس الكبيرة للألوهية والاستسلام لها بكل تواضع واحترام.