لقد كانت الرياضيات دائمًا حجر الزاوية الأساسي لفهمنا للتاريخ الطبيعي والتقدم المجتمعي؛ فهي اللغة التي تتحدث بها الكون. بدءاً من النموذج المصري القديم للعددين عشرين ومجموعتهما الثلاثية (التي تضم جميع الأعداد الأخرى)، مروراً بفكرة نظرية فيثاغورس الشهيرة عن العلاقات الهندسية بين الضلعين القائمين وضلع الوتر في مثلث قائم الزاوية، وصولاً إلى الثورات الحديثة مثل نظرية الكم ونسبية ألبرت أينشتاين العامة، فقد حرّكت هذه الاكتشافات العلمية عجلات المعرفة الإنسانية.
في بدايات الحضارات القديمة، كانت أغلب استخدامات الرياضيات تتركز حول العدد والحساب وحل المشكلات العملية اليومية كقياس الأرض ومعرفة موازين التجارة والأوقات الفلكية. ولكن مع مرور الوقت، توسعت حدود التطبيق ليصل إلى مجالات أخرى كالطب والفلسفة وعلم الفلك والموسيقى وغيرها الكثير مما يدل على مدى تنوع تأثير الرياضيات وقوتها التحليلية.
دخلت اليونان فترة ذهبية خلال القرن الخامس قبل الميلاد عندما بدأ الفلاسفة والرياضيون البارزون -مثل فيثاغورس وإقليدس وأرخميدس- بإرساء أسس ما نعرفه الآن بنظام الرياضيات الأوروبي. طوّر هؤلاء المفكرون مفاهيم جديدة للإحصاء والجبر والحجم والشكل وأدخلوا طرق حساب المساحة والحجوم للمضلعات والكرات والسوائل تحت التأثير الكبير لنظريات الفيزياء الخاصة بهم آنذاك.
مع بداية عصر النهضة في أوروبا الغربية، برزت شخصيات عظيمة مثل ليوناردو دا فينشي وجاليليو غاليلي وكوبرنيكوس الذين استخدموا الرياضيات لتفسير الظواهر الطبيعية وصياغة نظرياتهما العلمية الدقيقة والتي أثرت بشكل كبير على تطوير العلوم الطبية والعمرانية والفضائية لاحقًا.
وفي القرن السابع عشر تحديدًا، شهد العالم حلول رياضيي الستينات الفرنسي بيير دي فيرما والإنجليزوي جون فاليس اللذان طورا أساسيات التفاضل والتكامل بطريقتهم الخاصة مستلهمين بذلك أعمال إسحاق نيوتن وغوتفرید ویلهلم ليبنيـتس لاحقاً ممن أدخلوا لهذه المجالات قواعد ولغات جديدة جعلتها سهله الاستيعاب والمعرفة.
العصر الحديث قد شهد أيضا إنجازات كبيرة فيما يخص مجال الاحتمالية وعلوم البيانات المتعمقة وكذلك ظهور علوم كمبيوتر متقدمة تعتمد اعتمادا جزئياً على فهم عميق لأصول منطقية وفنية دقيقة هي نتاج دراسة معمقة للنظريات الرياضية ذات الصلة بالمشكلة المطروحة للحلول المقترحة لها . وهكذا نجد أن كل اكتشاف جديد يُفتح أمامنا أبواب معرفة واسعة لم تكن بالحسبان سابقاً ، مما يؤكد دائماً دور الرياضيات الحيوي داخل منظومة الحياة المعرفية والبناء الثقافي العالمي الشامل.
