في قريتنا النائية عن الضجيج ..
كانت النجوم مزارًا نقف عندها بعد منتصف الليل ..
فلا نسمع هتاف أرواحنا ولا ضجيج أحد ..
الكثير من أهل قريتي يغطون في عالم بعيد عن الواقع ..
تلك المزية لا ينالها سوى من كان مثلهم في الحب والشعور العميق ..
وفي بعض الليال التي استرق فيها بعضي
أكن مثلهم ..
وبقية الليال أصبح كذاك العاجز الذي بالكاد يرفع قدميه لأجوب الطرقات جميعها رغم قلتها لأوزع الحليب على أصحاب البيوت الذين ينتظرون منتجات مواشي المزرعة التي أعمل بها ..
ورغم عدم تعمدي لسماع الهراء الذي تتفوه به شفاه الكثيرون ممن يحبون الثرثرة؛ إلا أن بعض الكلمات تقع على مدار مسمعي عني :
- انظروا إليه بالكاد يحمل تلك الجرار؛ أتراه ضعيف البنية بسبب سوء حاله ؟
- ينبغي عليه أن ينال كفايته من النوم؛ شاهدوا عينيه محمرتان وكأنهما جمر تلظى ..
- صغيرٌ على فعل تلك الأعمال جميعها ..
- ربما كان هزيلًا لأن لا أحد يهتم به مذ فقد والديه ..
في بادئ الأمر ووجودي في هذه القرية التي بدأت أشعر بالانتماء لها كانت تلك الجمل وغيرها كوابل أزاح أقنعتي جميعها حين أواجه نفسي كل ليلة ..
أما وقد تكررت كثيرًا وما تزل؛ فقد تحررت من أثر وقعها الأول وبت أمضي وكأنها رياحًا تجاوزتها ولم تعد تؤثر بي ..
وما أن ينتهي عملي مع باكورة كل يوم في توزيع الحليب وأشعر بحرارة الشمس تستوطن هامة رأسي؛ حتى أتوجه للمخبز الذي في أول القرية ..