#ثريد
عند سقوط عاصمة الخلافة الإسلامية العباسية بغداد، على يد المغول بقيادة هولاكو في، 10 فيفري 1258م، قام التتار بحرق أكبر منارة علم في العالم حينها وهي مكتبة بغداد .. مكتبة جمع فيها المسلمون عصارة ألاف السنين من العلوم الدينية والدنيوية! في هذا الثريد سنتعرف على مكتبة بغداد وعن حقيقة تلون نهري دجلة والفرات بحبر كتبها!
-فضل التغريدة
بينما كان فريق من التتار يعمل على قتل المسلمين وسفك الدماء اتجه فريق آخر منهم لعمل إجرامي آخر.. عمل ليس له مبرر إلا أن المغول أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري في بلاد المسلمين.. لقد أحسو بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين؛ فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق، ويمتلكون عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم الديني منها والدنيوي.
يعتبر سقوط بغداد خسارة فادحة للثقافة والحضارة الإسلامية، بعدما احترقت الكثير من المؤلَفات القيمة والنفيسة في مختلف المجالات العلمية والفلسفية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، حيث أضرم المغول النار في بيت الحكمة، وهي إحدى أعظم مكتبات العالم القديم آنذاك، وألقوا بالكُتب في نهرى دجلة والفرات، حتى يقال أن ماء نهر دجلة تحول الى الأحمر والأزرق بفعل دماء القتلى وحبر الكتب التي أغرقت.
والقصة تقول أن فريق من أشقياء التتار توجه للقيام بعمل إجرامي حضاري بشع، وهو تدمير وإحراق مكتبة بغداد العظيمة، أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في جمع علوم وترجمة علوم عمرها ألاف السنين، جمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون، من علوم شرعية كتفسير القرآن والحديث والفقه والعقيدة والأخلاق، ومن علوم حياتية كالطب والفلك والهندسة والكيمياء والفيزياء والجغرافيا وعلوم الأرض، ومن علوم إنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب والتاريخ والفلسفة وغير ذلك، هذا كله بالإضافة إلى ملايين الأبيات من الشعر، وعشرات الآلاف من القصص والنثر.. فإن أضفت إلى كل ما سبق الترجمات المختلفة لكل العلوم، الأجنبية سواء اليونانية أو الفارسية أو الهندية أو غير ذلك.
إننا تتحدث عن معجزة حقيقية من معجزات ذلك الزمان، لقد كانت مكتبة بغداد مكتبة عظيمة بكل المقاييس.. ولم يقترب منها في العظمة إلا مكتبة قرطبة الإسلامية في الأندلس.. وسبحان الله!!.. لقد مرت مكتبة قرطبة بنفس التجربة التي مرت بها مكتبة بغداد!!!. عندما سقطت قرطبة في يد نصارى الأندلس سنة 636 هـ (قبل سقوط بغداد بعشرين سنة فقط!!) قاموا بحرق مكتبة قرطبة تماماً.. وقام بذلك أحد قساوسة النصارى بنفسه.. وكان اسمه "كمبيس"، وحرق كل ما وقعت عليه يده من كتب بذلت فيها آلاف الأعمار وآلاف الأوقات، وأنفق في سبيل كتابتها الكثير من المال والعرق والجهد، لكن هذه سنتهم! حروبهم هي حروب على الحضارة.. وحروب على المدنية.. وحروب على الإسلام.. بل هي حروب على الإنسانية كلها
ولمن لا يعرف مكتبة بغداد هي أعظم دور العلم في الأرض - بلا أدنى مبالغة - قرابة خمسة قرون متتالية، أسسها الخليفة العباسي المسلم هارون الرشيد رحمة الله عليه والذي حكم الدولة الإسلامية من سنة 170هـ إلى سنة 193 هـ، ثم ازدهرت المكتبة جداً في عهد المأمون خليفة المسلمين من سنة 198 هجرية إلى سنة 218 هجرية، وما زال الخلفاء العباسيون بعدهم يضيفون إلى المكتبة الكتب والنفائس حتى صارت داراً للعلم لا يُتخيل كمّ العلم بداخلها!، نحن نتحدث عن دار للعلم حوت ملايين المجلدات في هذا الزمن السحيق، ملايين الكتب في مكتبة واحدة في زمان ليس فيه طباعة!!..
وكان هذا هو الأمر المتكرر والطبيعي في معظم حواضر الإسلام.. ولا ندري بالتحديد كم عدد الكتب في هذه المكتبة الهائلة.. وإن كانت تقدر حقاً بالملايين.. ويكفي أن مكتبة طرابلس بلبنان -والتي لم تكن تقارن أبداً بمكتبة بغداد- قد أحرق الصليبيون الأوروبيون فيها "ثلاثة ملايين" مجلد عندما وقعت في أيديهم!، فتخيل كم كان عدد المجلدات في مكتبة بغداد!
كانت مكتبة بغداد تشتمل على عدد ضخم من الحجرات، وقد خصصت كل مجموعة من الحجرات لكل مادة من مواد العلم، فهناك حجرات معينة لكتب الفقه، وحجرات أخرى لكتب الطب، وهناك حجرات ثالثة لكتب الكيمياء ورابعة للبحوث السياسية وهكذا..
وكان في المكتبة المئات من الموظفين الذين يقومون على رعايتها، ويواظبون على استمرار تجديدها.. وكان هناك "النساخون" الذين ينسخون من كل كتاب أكثر من نسخة، وكان هناك "المناولون" الذين يناولون الناس الكتب من أماكنها المرتفعة، وكان هناك "المترجمون" الذين يترجمون الكتب الأجنبية، وكان هناك "الباحثون" الذين يبحثون لك عن نقطة معينة من نقاط العلم في هذه المكتبة الهائلة!..
بالاضافة لهذا تواجدت فيها غرف خاصة للمطالعة، وغرف خاصة للمدارسة وحلقات النقاش والندوات العلمية، وغرف خاصة للترفيه والأكل والشرب، بل وكانت هناك غرف للإقامة لطلاب العلم الذين جاءوا من مسافات بعيدة، نحن إذن نتحدث عن جامعة هائلة.. وليست مجرد مكتبة من المكتبات..
لقد حوت هذه المكتبة عصارة الفكر الإنساني في الدنيا بأسرها، كان الخليفة المأمون يشترط على ملك الروم في معاهداته معه بعد انتصارات المأمون المشهورة عليه أن يسمح للمترجمين المسلمين بترجمة الكتب التي في مكتبة القسطنطينية..