يقال "عنتريات" لوصف القوة الغاشمة الصرفة، وكأنما خلص فعل عنترة للعنف الذي بلا سمع ولا بصر، ويبدو أن الثقافة لا تزال غير موافقة على أن يسمو ذلك العبد، فيتجاوز قدره في تصوراتهم.
سأناقش، بإذن الله، في سلسلة تغريدات، جوانب من مواقف عنترة ورؤاه ضد عبوديته ومستعبديه من خلال "معلقته".
١-لم يواجه عنترة معاناة رقّه ولونه كمواجهة الصعاليك من خلال مغادرة المجتمع وشنّ الغارات عليه، بل كان واثقًا بقدرات عقله ثقته بقوة جسده، ومن هنا كانت معلقته محاججة ضد العبودية والظلم الطبقي، ومرافعة محامٍ متمكّن يثق بوجاهة مطالبه، وقدرته على الدفاع عنها.
٢-افتتح المعلقة بتساؤل: "هل غادر الشعراء من متردَّم؟".
وفي رأيي أن معلقته بجملتها هي إجابة عن سؤالين، أحدهما مضمرٌ مفاده: ما القيم التي تحتكمون إليها، والقدرات التي تقرون لصاحبها بالتقدمة؟
أليست الشجاعة، الكرم، إضافة إلى إبداع القول الذي صرح بسؤاله أعلاه؟
٣-تساءل عن "هل ترك الشعراء مقولا لقائل/ فنا من الشعر لم يطرقوه" لا ليقرّ بالمقولة النسقية "ما ترك الأول للآخر"، وإنما ليقوضها ويفضح زيفها، فمهمة المسترَق هنا تعرية السادة فكريًّا قبل أن يعرّيهم جسديًّا، بالطريقة التي يستوعبونها.
والمعلقة منذ سؤالها الأول لا تنفصل سخريتها عن جدها.
٤-وقبل أن تتشابك إجابة أسئلته أود التذكير بأنه أجاب عن جزئية من هذا السؤال، تخصّ الفن المحض، فجاء لهم بتشبيهٍ اختار صورته بعيدًا عن رؤية مركزهم، وطرفها كائن مهمش منبوذ "الذباب"، ونبههم إلى احتفال هذا الكائن بالحياة وطربه لها، وهذه زاوية لا يتفطنون لها.
والتشبيه من المتردم العزيز.