الحمد لله، لقد أخطأت الطريق منذ البداية. ليس من شأن عامة الناس، أي غير المتخصصين في العلوم الشرعية، النظر في مسائل الخلاف وأدلة المختلفين للترجيح بينها واختيار القول الأقرب للصواب. هذا من عمل المجتهدين والعلماء المحققين، أو طلبة العلم الذين قطعوا شوطا كبيرا في طلب العلم.
إنما شأن الإنسان العامي أو طالب العلم غير المتمكن أن يستفتي من يثق بدينه وعلمه، ثم يعمل بقوله، سواء أفتى له بالرخصة أم العزيمة. كان يسعك أن تستفتي عالماً تثقين بعلمه ودينه وتقواه، وتعملين بقوله، وبهذا تبرأ ذمتك أمام الله.
قال الحافظ الذهبي: "مَنْ بَلَغَ رُتْبَة الاجْتِهَاد، ، وَشَهِد لَهُ بِذَلِكَ عِدَّة مِنَ الأَئِمَّةِ، لَمْ يَسُغْ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ. كَمَا أَنَّ الفَقِيْه المُبتدئ ، وَالعَامِي الَّذِي يَحفظ القُرْآن ، أَوْ كَثِيْراً مِنْهُ : لاَ يَسوَغُ لَهُ الاجْتِهَاد أَبَداً، فَكَيْفَ يَجْتَهِدُ، وَمَا الَّذِي يَقُوْلُ؟ وَعلاَم يَبنِي؟ وَكَيْفَ يَطيرُ وَلَمَّا يُرَيِّش؟!".
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (12/93): "يجب على العالم أن يعمل بما ترجح لديه بالدليل الصحيح، ويجب على العامي أن يسأل من يثق بعلمه وعمله ويعمل بفتواه؛ لقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)".
وقالوا: "إذا كان طالب العلم أهلا للترجيح، وعنده مقدرة على اختيار ما يراه بدليله؛ جاز له ذلك، وإذا لم يكن أهلا لذلك سأل من يثق بعلمه".
وقال الشيخ ابن عثيمين: "ومن المعلوم أن العامي لا يمكن أن يستخلص الحكم من الأدلة؛ لأنه عامي فما عليه إلا أن يقلد، وفي هذه الحال يجب عليه أن يقلد من يرى أنه أقرب إلى الصواب لسعة علمه وقوة دينه وأمانته".
لذلك، يجب على العامي أن يتأني في اختيار المفتي الذي يثق بدينه وعلمه، وأن يعمل بفتواه دون محاولة الترجيح بين الأدلة بنفسه.