ثقافة الكم وثقافة الكيف
الجنس البشري بطبيعته ميّال للنظر إلى الكم، وهي جبلة معجونة في طينتنا، عبر عنها النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بقوله: (لو أن لابن آدم ودايًا من ذهب أحب أن يكون له واديان!).
ولكن واجبنا تجاه بعض الصفات التي تولد معنا التعديل والتقويم والتهذيب
والتشذيب، ولا يعني أنها ولدت معنا أنها لا بد أن تبقى وأن نرضخ لها، فقد ولدنا لا نستطيع تناول سوى الحليب، فهل يعني هذا أن نبقي الرضاعات في فمنا حتى المشيب؟!.
وتعديل الرؤية المكثقة للكم تكون بلفت النظر إلى أهمية الكيف، وإشاعة هذا الأمر؛ ليساعد الناس على التوازن،
والانفلات من جاذبية الكم.
فقد يمتلك الإنسان مكتبة ضخمة، وشرهًا لاقتناء الكتب إلى حد الهوس، وهو ما يسمى (Bibliomania) ومع ذلك لا تجده مستفيدًا منها، ولا يحسن استثمارها، وليست لديه المعرفة الجيدة بها.
وتجد إنسانًا يمتلك بيتًا كبيرًا، ويقع على مساحة واسعة، ولكنه يعيش ضيقًا في
بيته، وفوضى مستمرة، وعدم مقدرة على كفاية حاجته.
ونصادف أشخاصًا يتقاضون رواتب مجزية، وربما فوقها مكافئات كبيرة، ومع ذلك يخرج الشهر وهو مستدين من محلات على طول الشارع المؤدي إلى بيته!
ولعلنا نعرف بعضهم ممن يمتلك معرضًا مصغرًا من الملابس في بيته، ولكن لا تجده أنيقًا إلا ربما في
الأعياد، إن استطاع أن يكون أنيقًا في يوم العيد أصلًا.
ولن أطيل الكلام في تعداد صور لحالات يتجه أصحابها للاعتناء بالكم، مع إغفال الكيف، ثم لا يجنون من وراء التراكم الكمي شيئًا مما كان يصبو إليه!
وربما يتبسم القارئ وهو يقرأ هذا المقال إما من وقوعه في بعض الحالات في شرك شره الكم،