- صاحب المنشور: إحسان الدين الأنصاري
ملخص النقاش:
تواجه مجتمعاتنا اليوم تناقضًا مثيرًا للجدل بين تحقيق التقدم التكنولوجي والنمو الاقتصادي الذي يقوده التحول نحو رقمنة جميع جوانب حياتنا، وبين الحفاظ على الاستدامة البيئية. يعتبر هذا المصطلح المعروف باسم "التناقض التقني-الإيكولوجي" أحد أهم القضايا التي تواجه البشرية حاليًا.
على الجانب الإيجابي، أتاحت ثورة البيانات الضخمة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي فرصًا عديدة لتحسين كفاءة العمليات الصناعية وتقليل الهدر، مما يساهم في تحسين الأداء البيئي الشامل للمؤسسات والأعمال التجارية على حد سواء. علاوة على ذلك، يمكن لهذه التقنيات المساعدة في تطوير حلول مبتكرة للمشاكل البيئية مثل تلوث المياه الجوفية باستخدام شبكات إنترنت الأشياء لمراقبة جودة المياه وإنشاء نظام تحذيري مبكر لأي تغيرات غير طبيعية. كما توفر تكنولوجيا الطاقة المتجددة فرصة هائلة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري ومنع زيادة انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بها.
وعلى الرغم من هذه الفوائد الواعدة، فإن جانبًا آخر يتعلق بالرقمنة يحمل معه مخاطر بيئية كبيرة. إن العدد الهائل من البلوتوث وأجهزة الإنترنيت للأشياء المنتشرة والتي قد تصبح بلا فائدة أو تُرمى بعيداً بسرعة بعد وقت قصير نسبياً من استخدامها يؤدي إلى كميات هائلة من نفايات الإلكترونيات. بالإضافة لذلك، تتطلب عمليات تعدين واستخراج المواد اللازمة لهذه الأجهزة الكثير من الطاقة والمياه والموارد الطبيعية الأخرى، مسببة عبء إضافي على موارد الكوكب.
نشهد أيضًا زيادة ملحوظة ومتنامية في استهلاك الكهرباء بسبب الطلب الكبير والسريع الناجم عن العملات المشفرة والحوسبة السحابية؛ حيث أن بعض الدراسات تشير إلى أن مراكز بيانات واحدة وحدها تستنزف طاقة كهربائية تكافئ دولة بأكملها! وهذا يعني أنه حتى مع الانتقال التدريجي للاستخدام المكثّف لمصادر الطاقة الخضراء المتعلقة بهذه العملية، إلا أنها لن تكون قادرة بمفردها مواجهة الزيادة المطردة لهذا النوع من الطلب المستمر المتزايد باستمرار والذي يشكل تهديدا حقيقيا لوظائف النظام البيئي العالمي إذا ترك دون رادع مناسب له.
ويبقى الآن الأمر متروكا لنا لإيجاد الحل الأمثل لهذه المعضلة الملحة. فنحن بحاجة ماسّة لاتخاذ قرار مصيري يتمثل بإعادة النظر بكيفية تصميم وصناعة واستخدام البنية الأساسية للتكنولوجيا بطريقة أكثر شمولا وعناية أكبر تجاه تأثيرها المحتمل المدمر لكوكب الأرض وجيل قادم يعيش فيه. وفي الوقت نفسه، علينا أيضا تعزيز الابتكار واتباع نهج مستدام وخلاق يسمح بتطوير تقنيات تساعد العالم على بلوغ حالة توازن أفضل بين رغباته اقتصاديا وعلميا والحفاظ كذلك على الحد الأدنى لمنسوب سلامته Ecològicala.
