- صاحب المنشور: صباح الدرويش
ملخص النقاش:
في السنوات الأخيرة، شهدنا نقاشًا حادًا ومستمرًا حول العلاقة بين الدين والعلوم. يسعى العديد إلى فهم إن كان هذان المجالان متوافقين أو متناقضان. هذا الحوار ليس حديث العهد؛ بل يعود تاريخه لقرون مضت حيث تطرق الفلاسفة والأدباء المسلمين الأوائل لهذا الموضوع بشجاعة وتفكير عميق.
من منظور ديني، يعتبر الإسلام ديناً علمياً يدعو للتفكر والتأمل في خلق الله سبحانه وتعالى. القرآن الكريم مليء بالدعوة لاستخدام العقل والفهم العلمي لفهم العالم الطبيعي. يقول الله تعالى في كتابه العزيز "وقل رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" [سورة طه]. هذا التشجيع على طلب المعرفة يشمل جميع مجالاتها، بما فيها العلم الحديث.
ومن الجانب الآخر، تقدم العلوم تفسيرًا منطقيًا لكيفية عمل الكون بناءً على التجارب والملاحظة الدقيقة. إلا أنه غالبًا ما يتم تصوير هذه المواجهة كمعركة بين الإيمان والعقلانية - وهو تصور خاطئ وغير صحيح. فالهدف الأساسي للدين هو توجيه الحياة الأخلاقية للأفراد والمجتمعات نحو الخير والعدالة، بينما تساهم العلوم بتزويد البشر بفهم أفضل لكيفية عمل الطبيعة.
إذا نظرنا بشكل أكثر تعمقًا، نجد أن هناك العديد من نقاط الالتقاء بين الدين والعلوم. فعلى سبيل المثال، يتفق كلا النظامين على أهمية الصدق والدقة والنزاهة في العمل البحثي. كما تشجع كلتا المنظمتين الأفراد على التحلي بالحكمة والنظر الثاقب قبل اتخاذ القرارات. بالإضافة لذلك، يمكن اعتبار بعض الاكتشافات العلمية تأكيدًا لما جاء به الوحي الإلهي في الكتاب المقدس للمسلمين، مما يؤكد توافقهما مع بعضهما البعض.
ومع ذلك، فقد برز خلاف حقيقي بسبب تفسيرات مختلفة للطبيعة البشرية والقيم الاجتماعية. فبعض الجماعات الدينية قد تعارض بعض جوانب العلم الحديثة، مثل البحوث الطبية المتقدمة المرتبطة بالإنجاب المساعد وتكنولوجيا الهندسة الوراثية. ولكن عند التدقيق، فإن الخلاف غالبا ما يكمن في التأويل وليس المعلومة نفسها.
وفي نهاية المطاف، يبدو واضحا أن الطريق الأمثل أمام المجتمعات الإسلامية اليوم هو تحقيق اتحاد وثيق غير مشروط بين العلم والدين؛ باتباع نهج شامل قائمٍ على احترام الحقائق الدينية والثوابت المعرفية للحفاظ على تراثنا الثقافي والحضاري الكبير الذي حققته الأمم العربية والإسلامية عبر التاريخ. وهذا يستوجب تثقيف وإرشاد الشباب نحو قبول ومتابعة دراسات العلوم والمعارف المختلفة بما يناسب القيم والمبادئ السامية لديننا الحنيف. وبذلك نتمكن من رؤية مستقبل مزهر يحقق فيه الإنسانية تقدما علميا وروحيّا ملحوظا.