الدين والتعليم: التوازن بين التقليد والتجديد

مع تطور المجتمعات وتزايد دور التعليم كمحرك رئيسي للتغيير والثورة المعرفية، أصبح هناك نقاش حاد حول مدى توافق هذا النهج مع القيم الدينية الإسلامية. ففي

  • صاحب المنشور: الهيتمي التونسي

    ملخص النقاش:
    مع تطور المجتمعات وتزايد دور التعليم كمحرك رئيسي للتغيير والثورة المعرفية، أصبح هناك نقاش حاد حول مدى توافق هذا النهج مع القيم الدينية الإسلامية. ففي حين يرى البعض أن العلم والمعرفة هما مفتاحا للتنمية البشرية والمادية، يحذر آخرون من خطر الانفصال عن الجذور الروحية والدينية التي تشكل جزءاً أساسياً من الهوية الثقافية والعقائدية للمجتمع الإسلامي.

إن الحفاظ على التوازن بين القديم والحديث يتطلب فهمًا عميقًا لتعاليم الدين وأصوله الفقهية. فالقرآن الكريم والسنة الشريفة يشجعان باستمرار على طلب المعرفة والحكمة ([١])([٢]). يقول الله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" (start>خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍend>) [العلق: ١ - ٢]. كما أوصى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالحكمة قائلا: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".[٣]

بالتالي، فإن الوصول إلى هذه المعلومات وتحقيق التقدم العلمي ليس مخالفًا للدين، بل هو واجب ديني. ولكن يجب توخي الحذر عند تطبيق هذه المعارف الجديدة حتى تتوافق مع الشريعة الإسلامية وحتى لا تؤدي إلى خلق ظلم اجتماعي أو اقتصادي أو بيئي.[٤]

تتمثل إحدى المفارقات الكبرى هنا في كيفية التعامل مع نصوص دينية تاريخية قد تبدو متعارضة مع مستجدات العصر الحديث في مجال العلوم الطبيعية والإنسانية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن ينظر بعض العلماء المسلمين إلى نظريات مثل نظرية داروين لتطور الأنواع باعتبارها غير متوافقة مع قصة الخلق كما وردت في القرآن الكريم؛ بينما يستعرض علماء آخرون آليات مختلفة لإعادة قراءة وتفسير الآيات القرآنية بطريقة تناسب الأدلة الحديثة ولا تخالف الأصول الأساسية للعقيدة الإيمانية.[٥]

وفيما يتعلق بالتربية والتعليم، تعمل العديد من المؤسسات التعليمية الإسلامية على الجمع بين المناهج العالمية المتطورة وبرامج تعليم الدين لحماية الطلاب المسلمين من التأثيرات الغربية التي قد تضيع هويتهم الأصلية. وقد نجحت نماذج مثل مدارس دار السلام والتي تأسست عام ۱۹۴۹م في باكستان ومدرسة الأحمدية في المملكة المتحدة وغيرهما في تحقيق ذلك التوازن الناجح بين الأصالة والتجدد.[٦][٧]

ختاماً، إن الطريق نحو تحقيق مجتمع معرفي وفكري مؤمن يكمن في بناء منظومة تعلم شاملة تُعزز روح الاستقصاء والفكر النقدي ضمن حدود التشريع الشرعي والقيمي الذي يعكس جوهر العقيدة والأخلاق الإنسانية المشتركة.[٨] إنه تحدٍ كبير ولكنه أيضًا فرصة سانحة لبناء جيل جديد قادرٌ على مواجهة تحديات المستقبل بكل ثبات وقدرة.

---

[١] سورة العلق، الآيتان الأولى والثانية.

[٢] البخاري ومسلم.

[٣] سنن أبي داود.

[٤] مجلة الدراسات الإسلامية، ۲۰۱۲.

[٥] المجلة الدولية لدراسات الإسلام وعصرنة الدين,2010。

[٦] موقع مؤسسة دارالسلام ،۲۰۲۰。

[۷] مدرسة الاحمديه في بريطانيا، ۲۰۱۹۔

[۸] تقرير اليونسكو العالمي حول التعليم ۲۰۰۰۔


أسعد الغريسي

9 مدونة المشاركات

التعليقات