على الرغم من شهرة محرز بن خلف وتقديس البعض له واستخدام عبادة خاصة باسمه، فإن هذا العمل يعد شكًا صرفًا للعُبودية لغير الله، وهي جريمة كبيرة تضاهي الشرك الأصغر وقد تتطور لتكون شركًا أكبر حسب السياقات المختلفة. وبالتالي، يجب تصحيح فهمنا حول العبادة وصرفها بشكل صحيح نحو وجهتها الوحيدة المشروعة، وهو الله الواحد الأحد.
محرز بن خلف شخصية تاريخية معروفة، ولكن ما يهمنا ليس سيرته الشخصية بالضرورة وإنما الاستنتاج الديني الذي يمكن استخلاصه منها. لقد ثبت أنه تعرض لنوع من التعظيم والتقديس الخاطئ حيث قام بعض الأشخاص باحترامه وتعظيمه بطرق تشابه طرق عبادة الآلهة الأخرى خارج إطار الإيمان الحق. ومع ذلك، بغض النظر عن مكانته المقدسة لدى الغير، يبقى التحليل الشرعي لهذا التصرف ثابتاً ثابتاً بلا تغيير.
من المهم أن نفهم عمق خطورة هذه المسألة. حتى لو كان الفرد حيّا أثناء حياته قبل موته بمكانة عالية، فقد ورد في القرآن الكريم قصة مشابهة عندما قال الله عز وجل لعيسى عليه السلام فيما معناه "كيف تدعي الناس يعبدونني وأمك إلهاً من دونه؟". رد عيسى عليه السلام قائلاً: "سبحانك! كيف لي أن أقول ما ليس لي بحق؟ إن كنت قد قلت ذلك فرؤوفك عالم بما تعلم!" (المائدة: 116–118). يؤكد هذا النص القرآني على الحقيقة التالية: لا ينبغي لنا أبداً توجيه أي شكل من أشكال العبادة البشرية تجاه مخلوقات أخرى بدلاً من الرب الأعظم. سواء كانوا بشرًا أحياء أم ميتين، فلا يسعنا سوى أن نعترف بوحدانية الخالق ونخصّه بكل أنواع الطاعة والعرفان.
بالإضافة إلى الآيات الكريمة المتعلقة بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة والمستحقين لها يوم القيامة فقط، أكد علماء المسلمين عبر التاريخ أهمية عدم جعل الموتى وسطاء بين العبد وخالقه، وأن زيارة قبورهم مبنية أساساً على بركة دعاء الأحياء للأموات وصلواتهم عليهم وليست تبغي رفع حاجات مادية روحانية مماثل لما تقدمه العبادة الحقيقية. كما شدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- على ضرورة الفصل بين طبيعة علاقتنا بالأحياء والأموات إذ تنفرد الأولى بطلب المساعدة والدعم المادي والمعنوي بينما تقدم الثانية عمل صالح لصاحبها وفق مشيئة الله وحده وليس توسلاً لرجا سامي أو مطلب شرعي أصيل.
وفي النهاية يجب التأكيد مجددًا بأن تفاصيل حياة الأفراد ليست ذات صلة عميقة بهذا السياق القانوني العام، فالهدف الرئيسي يكمن في ترسيخ عقيدة واضحة بشأن حرمانية منح القداسة لعبادات تنتمي حصراً للإله المطلق الواحد قادر على كل شيء ممتلك لكل ملَكوت سمائي أرضي. ولذلك، يستوجب تحرير مجتمعاتنا الإسلامية من مظاهر عبادة الذات وتمحيص مذاهب بدعية قديمة جديدة لأن المصدر الوحيد المعتمد للحكم الشرعي يأتي من كتاب رب العالمين وسنة رسوله الأمين سلام الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع نهجه بإحسانٍ إلى يوم الدين.