- صاحب المنشور: صالح بن ناصر
ملخص النقاش:
مع ظهور الثورات التكنولوجية المتلاحقة مثل شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، أصبح العالم يشهد تحولات عميقة في بنية المجتمعات وأساليب عيش أفرادها. لقد أدت هذه التحولات إلى نقاش واسع بين خبراء الاجتماع والنفسانيين والمفكرين عامة حول مدى تأثر الحياة الاجتماعية بالإنجازات التقنية الحديثة. فيما يلي نظرة تفصيلية لهذا الحوار:
في البداية، يُشاد بالتكنولوجيا كمحرك رئيسي للتطور الإنساني حيث تسهل نقل المعلومات وتتيح فرص عمل جديدة وتعزز الإنتاجية وتحسن الوصول للخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم. إلا أنه وفي الجانب الآخر، يثير البعض مخاوف بشأن الآثار المحتملة لهذه التقنيات على العلاقات الشخصية والتفاعلات البشرية المباشرة. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي الاعتماد الزائد على وسائل الاتصال الافتراضية إلى تقليل نوعية التعامل وجها لوجه الذي كان يسوده الدفء والحميمية سابقاً.
ومن أهم المواضيع التي تشغل بال المحللين هي مسألة العزلة الإلكترونية: مع زيادة الوقت المستغرق أمام الشاشات المختلفة انخفض وقت قضاء الأسر للمجتمعات الصغيرة والأصدقاء المشتركين مما خلق جوًا اجتماعيًا أكثر فردية وانعزالية. حتى العلاقات الزوجية باتت مهددة بسبب عدم وجود مجال محدد للنقاش المفتوح والحوار الصريح داخل المنزل نظرًا لإمكانية الانخراط في الانترنت متى ومتى شائته. وهناك أيضا القلق بشأن التأثيرات طويلة المدى على الصحة النفسية للأطفال الذين تربوا وسط هذا الكم الهائل من البيانات المرئية والمعرفية دون أي رقابة أو تنظيم مناسب لحمايتهم واستثمارهم الأمثل لهذه التجارب الغامرة.
إلا أنه رغم كل تلك المخاطر الظاهرة للحياة الرقمية المعاصرة، فإن الكثير من المؤيدين يؤكدون بأنها مجرد مرحلة انتقالية ستمر بها البشرية نحو مستقبل أفضل عندما يتم تطوير آليات وقوانين داعمة لاستخدام الإنترنت بصورة صحية ومثمرة اقتصاديا واجتماعيا وثقافياً. فالتعلم عبر المنصات التعليمية الالكترونية مثلاً مكّن طلاباً لم يكن بمقدورهم الحصول سابقا على تعليم عالٍ مقبول. كما سمحت منصات العمل الحر للعاطلين عن العمل بكسب دخل منهم وأتاح لهم فرصة بناء مهارات جديدة تناسب سوق عمل يتغير باستمرار ويتوقع الخبراء بأنه سيكون أساس غالب وظائف المستقبل القريب.
وفي ختام الأمر ينبغي التنبيه لأهمية ترسيخ ثقافة استخدام تكنولوجيات القرن الواحد والعشرين بطريقة مدروسة ومتوازنة تراعي جوانب الفرد والجماعة وحفظ حقوق الإنسان وكرامته بالإضافة لاتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد الجرائم المرتبطة بشبكة العنكبوت العالمية والتي تتزايد يوم بعد آخر لتؤثر سلبيًاعلى سلام مجتمعاتها المدنية وشبابهاخصوصا . وبذلك يمكن بلوغ حالة توازن تسمح بتبني ثمار تقدم العلم الحديث والاستمتاع بفوائد عصر السرعة ضمن قالب اجتماعي أخلاقي يحترم خصوصيات الأفراد وينمي قدراتهم ويعزز من روابطهن بعضهن ببعض بلا شك ولا ريب!