- صاحب المنشور: محمود بن عروس
ملخص النقاش:
تسعى تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى إعادة تشكيل العالم الذي نعيش فيه بسرعة كبيرة. فقد شهدنا بالفعل طفرة هائلة في قدرتها على أداء مهام كانت تعتبر حصراً للمفكرين البشريّين في السابق؛ مثل فهم اللغة الطبيعية، والرؤية الحاسوبيّة، واتخاذ القرارات المعقدة بناءً على البيانات الضخمة المتاحة لها. لكن هذه التكنولوجيا الشاملة ليست خالية تماماً من المصاعب والتحديات التي تواجه تطويرها واستخدامها الفعال.
أولى المشكلات الرئيسية تتمثل في المخاوف بشأن الخصوصية والأمان. فالذكاء الاصطناعي يتطلب كميات ضخمة من البيانات المدربة لتكون قادرة على التعلم والتطور. ولكن جمع وتدريب نماذج تعلم الآلة تتضمن مخاطر محتملة تسرب المعلومات الشخصية أو الاستغلال التجاري غير الأخلاقي للبيانات الخاصة بالمستخدمين. كما توجد أيضًا احتمالات لممارسات تمييزية إن لم يتم تصميم الخوارزميات بطريقة عادلة وغير متحيزة ضد أي فئات اجتماعية معينة.
بالإضافة لذلك فإن الاعتماد المتزايد على الروبوتات وقدرات مشابهة يطرح تساؤلات حول تأثيرها المحتمل على فرص العمل البشرية وكيفية تأمين بيئة عمل آمنة ومتوازنة تضمن حقوق جميع الأطراف المعنية بالأمر. ويحتاج هذا الأمر إلى النظر الجدي في وضع قوانين جديدة لضوابط استخدام هذه التقنيات الجديدة بالإضافة لإعادة نظر كاملة بتعليم الكفاءات والمعارف المستقبلية اللازمة لسوق الوظائف الجديد.
ومن وجهة أخرى يبقى التحدي العلمي الخاص بالبحث والدراسة نفسها قائماً. فنحن بحاجة لفهم أفضل لكيفية عمله الداخلي لهذه النماذج المعقدة وبناء المزيد من الأدوات التحليلية لمساعدتنا بفهم أكبر لدورة الحياة لنظم الذكاء الصناعي الحالي والمستقبلي. وهو أمر ضروري ليس فقط لفهم كيف تعمل بل أيضاً لحماية سلامته ومنعه من الانزلاق نحو حالات قد تكون خطرة بالنسبة للاستقرار العام للأوطان والشعب المتفاعل معه يومياً.
وأخيراً وليس آخراً، هناك عامل ثقافي واجتماعي واسع نحتاج مراعاته بعناية شديدة أثناء الانتقال بهذه الثورات الرقمية العملاقة نحو مجتمعنا المحلي والإنساني ككل. فهو يشمل الدور الذي ستلعبه هذه التكنولوجيا في شكل حياتنا اليومية سواء كان ذلك فيما يتعلق بالتواصل الاجتماعي والحفاظ عليه أم توسيع رقعة العزلة بسبب تصغير حاجتنا للتفاعل الشخصي الواضح. وما بعد كل شيء إلا بداية رحلة طويلة ومثمرة مليئه بالإمكانيات والمخاطر العديدة والتي سنواجه الكثير منها الآن ولابد من استعدادنا لمناقشتها بشفافية وعقلانية لبناء عالم أكثر عدالة وإنصاف لكل فرد يعيش فيه مهما اختلفت جنسياتهم وأصولهم الثقافية المختلفة بعضها البعض.