هنالك قراء يميلون إلى الصعب من الأدب. طه حسين يقول إنه يميل إلى الأدب الذي يدفعه إلى المعاجم. وفوكنر

هنالك قراء يميلون إلى الصعب من الأدب. طه حسين يقول إنه يميل إلى الأدب الذي يدفعه إلى المعاجم. وفوكنر ينتقد همنغواي لأن رواياته لا تجبره على القواميس.

هنالك قراء يميلون إلى الصعب من الأدب. طه حسين يقول إنه يميل إلى الأدب الذي يدفعه إلى المعاجم. وفوكنر ينتقد همنغواي لأن رواياته لا تجبره على القواميس. ورغم أنني أكتب أدبا واقعيا، إلا أنني أفهم لذة الأدب الذي يجعلك تعمل من أجل فهمه وتذوقه. ولكنني في الوقت ذاته، أفهم خدعه وسخافاته

القراءة نشاط جسدي، مثل كل شيء، ولذا فإنه يخاطب الجسد كاملا، العقل والحس، كلاهما ينفعل بانفعال الآخر. يمكن لأي كاتب أن يغلّب استهداف طرف على الآخر، فيقال إن المعري وجويس كاتبان عقليان، وإن أبا نواس وهامسون كاتبان حسيان. ولكن في النهاية كلاهما قد ينتجان أدبا صعبا ومعقدا

ما يجعل الأدب الصعب جذابا، حس المشاركة مع مبدعه. فهو من جهة يبدو مثل مكافأة وشيكة تتعب من أجل بلوغها، كما يجدر بالثمين الذي تتحقق ذروته بلذة استكشافه، والتي تكون هي لذة مستقلة في ذاتها. ومن جهة أخرى يبدو خاصا، منتقى، يجعلك فهمه جزءا من منظومة، وكأنك أتقنت لغة خاصة نادرة

ولذا يكون الأدب الصعب مبتذلا وسخيفا حينما تنتفي المشاركة. فمآخذ العرب على التقعر الزائد اللامجدي هي ذات مآخذي على الأدب التجريبي المتطرف في تراكيبه، والشعر الحديث الموغل في شاعريته. إنها انتقال المبدع إلى الانغماس في ذاته، إنها الفرق بين تحفة جويس "يوليسيس" واستهباله في "فينيغان"

مثلا، لا أريد أن أقرأ قصيدة حرة حلف كاتبها أن يضرب "انتر" بعد كل كلمة لأكتشف أنه قد ضاع فيها، وضيعني معه، وأنه ليس لديه شيء ليقوله عدا أن يستمتع بسماع صوته وهو يلقيها على نفسه وأن يدغدغ حس الغموض الذي داهمه ذات صباح وقد أيقظته فحطة سيارة في الشارع ولم يستطع العودة إلى النوم.


البخاري بن عزوز

5 مدونة المشاركات

التعليقات