- صاحب المنشور: راغدة الزرهوني
ملخص النقاش:
تواجه المجتمعات المعاصرة تحولا عميقا جراء تطور وتوسع استخدام التقنيات الرقمية. هذه الثورة التكنولوجية التي أثرت بكافة جوانب حياتنا اليومية لم تعد مجرد أدوات راحة بل بات لها دور محوري في تشكيل طبيعة علاقاتنا الاجتماعية. يناقش هذا المقال كيف تؤثر التكنولوجيا على العلاقات الإنسانية بطريقة قد تكون إيجابية أو سلبية اعتمادا على كيفية استخدامها ومواءمتها مع قيم التواصل الجماعي والخصوصية الشخصية.
بدأت الأجهزة الذكية المحمولة بتغيير جذري لعادات الاتصال لدينا. فمن ناحية، سهلت وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية التواصل بين أفراد الأسرة والأصدقاء حتى وإن كانوا بعيدين جغرافيا؛ مما يقلل شعور الوحدة ويقوي روابط العائلة والمجتمعات المتفرقة حول العالم عبر تبادل الصور والفيديوهات والدردشة المباشرة وغير ذلك الكثير. لكن، وفي الجانب الآخر، فإن الاعتماد الزائد عليها يمكن أن يؤدي إلى مشاكل مثل عدم وجود تواجد حقيقي وجسدي خلال المناسبات الحقيقية وضعف المهارات الاجتماعية عند الشباب الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشات الإلكترونية بدلا من الانخراط الفعلي في بيئتهم الطبيعية. بالإضافة لذلك، فقد أصبح الكثير يشعر بأنه مضطراً لإظهار صورة مثالية للحياة على تلك المنصات لتجنب الشعور بالوحدة، وهو أمر غير واقعي وقد يتسبب في الضغط النفسي وإضعاف تقدير الذات.
كما تساهم تقنية الواقع الافتراضي والتكنولوجيا المرتبطة بها في خلق تجارب اجتماعية جديدة ولكن مصطنعة نوعًا ما حيث يمكن للمستخدمين "البقاء" فيما يسمى بحياة ثانوية افتراضية تمتاز بأنها خالية تقريبا من القيود الأخلاقية والقانونية الموجودة في واقعهم الحقيقي. وهذه الظاهرة ليست بدون آثارها المضرة أيضًا والتي تتضمن زيادة انعدام الثقة والعزلة الاجتماعية والشعور بالنقص مقارنة بما يتم عرضه وصنعيه رقميًّا داخل اللعب والبرامج المختلفة.
وفي المقابل، تعتبر بعض أشكال التكنولوجيا أكثر مساهمة مباشرة وبناءة للعلاقات البشرية مثل حلول الدعم الذكي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وأدوات التعلم الآلي المستخدمة لتحسين مهارات التواصل لدى الأطفال التوحديون وغيرها العديد. إن إدراج عناصر مدروسة جيدًا لهذه الأدوات ضمن استراتيجيات تعليمية واجتماعية منظمة سيؤدي بلا شك لنتائج أفضل بكثير مقارنة باستخداماتها المستقلة الخاطئة غالبًا لما فيه اختلال للتوازن الصحي بين الحياة العلمية والإنسانية المشتركة.
بشكل عام، يبدو واضحا أنه وعلى الرغم من القدر الكبير الذي تتمتع به تكنولوجيا المعلومات حاليا إلا أنها لن تستطيع أبدا تكرار التجربة الغنية للروابط العاطفية المبنية على أساس انسجام نفسي وجسدي مباشر عاشرته جنسيتنا منذ القدم ولا تزال تمثل خاصية مميزة وفريدة لشخصيتنا ككائنات بشرية ذات روح وعشق متأصل ومتجذر عميق لكل شيء حي حيوي موجود حولنا والذي يعيش أيضا ويتفاعل مستمر مع جميع الكيانات الأخرى بنفس الطريقة المؤثرة والمعبرة القلبية الرومان