- صاحب المنشور: هديل بن عمار
ملخص النقاش:
مع تزايد انتشار التكنولوجيا وتأثيرها المتنامي على جميع جوانب الحياة الحديثة، ومن ضمنها اللغة العربية، يبرز نقاش مهم حول مدى قدرتها على مواكبة هذا التحول مع الحفاظ على هويتها وثرائها اللغوي. يشهد العالم العربي تطورات غير مسبوقة فيما يتعلق بالاتصال والتواصل الرقمي، مما قد يؤدي إلى تغيرات كبيرة في بنية اللغة وتمثيلها. يستعرض هذا المقال أهم الجوانب التي تدعو للقلق بشأن مستقبل اللغة العربية في عصر رقمي متسارع، مع التركيز أيضاً على الإمكانيات والثروات الكامنة التي يمكن استثمارها لتطوير أدوات وقنوات جديدة تعزز استخدام اللغة والحفاظ عليها كركيزة أساسية للهوية الوطنية والعربية.
من جهة، تشكل وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات البرمجيات الجديدة تحدياً واضحاً للألفاظ التقليدية وللكتابة الورقية. تتجه الأجيال الشابة نحو لغة "نصية" أو اختصارية تعتمد على الأحرف والأرقام والإشارات الخاصة لسرعة الكتابة والنشر عبر الإنترنت. هذه الظاهرة، المعروفة باسم Lingua Franca Nova (LFN)، ظهرت كرد فعل طبيعي للتغيرات المجتمعية السريعة لكنها أثارت مخاوف عديدة لدى العلماء والمختصين الذين يحذرون من فقدان الغني والمعنى الأصيل للغة العربية تحت وطأة تقنية محدودة ومبسطة.
كما تساهم الآلات والذكاء الاصطناعي بإحداث تغيرات جذرية في الطريقة التي نتعامل بها مع اللغة وأدائها. توفر الذكاءات الصناعية مثل ترجمة Google خيارات أكثر سرعة وكفاءة ولكن غالباً بتضحية دقة وفهم عميق للنصوص المنقول عنها. إضافة لذلك، تواجه المكتبات الإلكترونية والجداول الزمنية المخصصة للمواد التعليمية تحديات عدم القدرة الكاملة على الوصول لمستندات كاملة أو نسخة مطابقة تمامًا لما تم نشره أصلاً بسبب حقوق الملكية الفكرية وصعوبات التنفيذ الفني.
بالرغم من تلك المخاطر المحتملة، تستطيع العربية الاستفادة القصوى من ثورة التكنولوجيا إذا تم توجيهها بحكمة ورؤية واضحة لحماية تراثها الثمين وتعزيز حضورها عالميًا. تتمثل إحدى الفرص الرئيسية في إنشاء قواعد بيانات شاملة ومتاحة لكل المستويات بدءاً بالأطفال وانتهاء بالمختصين الأكاديميين؛ حيث يسمح ذلك بمزيد من البحوث والدراسات وبالتالي فهم أفضل لأصول وآليات عمل اللغة ذاتها. كما تقدم المنصات الرقمية فرصاً هائلة لإعادة نشر الأعمال الأدبية القديمة وإعداد مواد تدريبية مبتكرة تساعد المستخدمين على تعلم وتحسين مهاراتهم اللغوية بطرق جذابة وغير تقليدية.
في النهاية، بات من الواضح ضرورة تبني نهج شامل يقارب القضايا المطروحة بعقل مفتوح وإيجابي. ولا بد للدولة والمؤسسات التعليمية والباحثين المشتركين العمل جنبا إلي جنب للسماح باستمرار نمو اللغة العربية بالتوازي مع ازدهار عالم رقمي بلا حدود. هكذا فقط سوف نحافظ ليس فقط على لغتنا وإنما أيضا على جزء حيوي ومميز من تاريخ وحضارة شعب عريق له مكانته الرفيعة وسط الأمم والشعوب الأخرى.