- صاحب المنشور: قدور اليعقوبي
ملخص النقاش:
في عالم يتسم بالتنوع الثقافي والمعرفي، يشهد الحوار بين مفاهيم العلم والدين نقاشًا حادًا ومثيرًا للجدل. وقد كان هذا الموضوع محور اهتمام العديد من المفكرين والفلاسفة عبر التاريخ، حيث يطرح تساؤلات حول مدى تلاقي أو تنافر هذين النظامين الأساسيين لفهم الكون والإنسان. وفيما يلي محاولة لتسليط الضوء على جوانب هذا الحوار المهم والمتعدد الأوجه.
1. **التقارب: رؤية مشتركة للعلم والكشف الإلهي**
أولاً، يمكن اعتبار العلم والدين كمنظومتين متكاملتين تشتركان في هدف واحد وهو الوصول إلى الحقيقة والتعرف على خالق الكون وعظمته. فالعلم يهتم بدراسة وتعليل الظواهر الطبيعية باستخدام المنطق التجريبي والتجريب، بينما يركز الدين على الكشف الإلهي الذي يكشف الفلسفة والحكمة الخالدة للإسلام. إلا أنه وعلى الرغم من اختلاف أدواتهما، فقد اتفق الكثير من العلماء ومنظري الإسلام على وجود تقاطعات مهمة بين هذين المجالين. فعلى سبيل المثال، يؤكد القرآن الكريم على أهمية البحث والاستقصاء قائلاً: "أنزل اللهُ مِنَ السَّماءِ ماءً فأحيى به الأرضَ بعد موتها إنَّ في ذلك لآياتٍ لقوم يعقلون."[١] هذا التشديد على دور العلم والبحث في فهم مخلوقات الله يدعم الرؤية التي ترى أن العلم والدين ليسا ضد بعضهما البعض بل هما مكملان ومتزامنان.
حيث يقول الدكتور مصطفى محمود في كتابه "الإنسان الخالد": "إن العلم دين بدون عبادة والشريعة علم بدون دلالات"، مما يوحي بتعايش وثيق بين الجانبين وتداخل وظائفهما المتنوعة.[٢]
2. **اختلاف المصطلحات: التباعد ظاهريًا ولكنها نفس الرسالة**
رغم ثبات جوهرهما المشترك، قد تبدو مصطلحات وأساليب كل منهما مختلفة تمام الاختلاف. فالعلوم الفيزيائية مثلاً تستند إلى الملاحظة الرياضية والتحقق التجريبي للحصول على نتائج قابلة للمراجعة والنشر العلمي، بينما يستمد الدين تأويلاته الروحية والعقائدية بناءً على اعتراف المجتمع الديني بالإمامة الشرعية والتفسيرات القبلية للنصوص المقدسة مثل القرآن والسنة المطهرة. لكن رغم هذه الاختلافات الواضحة، تبقى رسائل العلم والدين واحدة وهي دعوة الإنسان للسعي نحو المعرفة التامة لخالق العالم واتباع تعاليم العقيدة الإسلامية الصحيحة.
كما ذكر الدكتور زغلول النجار في مقاله بعنوان "ديناميكية التعامل مع المعارف الحديثة": "إن تطور العلوم الحديثة لم يأتي ليحل محل الدين، وإنما جاء ليبحث وينقب ويستكشف المزيد من الحقائق التي تؤكد على صدق الوحي وما تضمنه من حقائق ومعلومات تتجاوز حدود قدرة البشر آنذاك". [٣] وهذا يشير بأن لدى العلم والدين القدرة على تكامل الفوائد واستيعاب المعلومات الجديدة دون المساس برمزيتهم الخاصة.
3. **التواصل المستمر: حاجتنا للتفاعل وإعادة النظر**
يتطلب الحفاظ على توازن مستدام بين العلم والدين بذل جهد دائم لإيجاد طرق جديدة للتواصل والتفاعل. ويتضمن ذلك فتح باب المناقشة للأفراد ذوي الاهتمامات المختلفة ضمن بيئات أكاديمية آمنة وشاملة. علاوة على ذلك، فإن إعادة تفسير وتكييف الآراء التقليدية مع تطورات معرفية جديدة ضرورية أيضًا لتحقيق الاستقرار والتوافق طويل المدى. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر تحسين مستوى التعليم العام والثقافة الإسلامية مفيد جدًا لأنه يساعد الأفراد على تطوير مهارات التفكير الناقد وتحسين قدرتهم على إدراك تجليات الكمال الإلهي داخل مجالات تخصصهم.
وفي الأخير، يؤكد الشيخ محمد قطب — كما ورد في أحد مقالاته تحت عنوان "دور التربية الإسلامية في مواجهة تحديات العصر"—على مسؤولية دعاة النهضة الإسلامية في نشر ثقافة شاملة تجمع بين قيم الدين وقدرة العلم الحديثة:[٤] "إن مستقبل الإنسانية مرتبط مباشرة بإرساء مجتمع عربي إسلامي قادر على الانخراط بنشاط في مسار تقدم العلم والتكنولوجيا، وذلك عبر تقديم خطاب دينياً واضح يقود البلاد نحو مزيد من الازدهار الاقتصادي والثقافي." لذلك، نحن بحاجة لأن