[الدرس الفلسطيني]
في صباح اليوم التالي للغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان اتصلت تليفونيا بالرئيس السادات في استراحة القناطر الخيرية الأعرض عليه البيان الذي أعددته لإصداره باسم وزير خارجية مصر حول العدوان الإسرائيلي على لبنان إلا أني لم أتمكن من محادثته لأنه كان لايزال نائما. وعاودت الاتصال به بعد ذلك عدة مرات في فترات متباعدة دون جدوى . فبادرت بإصدار البيان دون انتظار رأي السادات فيه إذ كان الموقف محرجا للغاية بالنسبة لمصر خاصة أمام العالم العربي وهي ترى الجيش الإسرائيلي ينتهك سيادة لبنان بالاعتداء على أراضيها والتعدي على قراها وأهاليها ، ويمارس عملية إبادة منظمة للفلسطينيين دون أن تحرك ساكنًا.
وفي الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر اتصل بي السادات تليفونيا في الوزارة وسألني في صوت ملؤه التثاؤب عن السبب الذي طلبته تليفونيا من أجله عدة مرات في الصباح فأجبته بأن الأمر يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على لبنان.
فقال السادات ضاحكا : «هل أعطوهم العلقة ولا لسه؟»
ولم يخطر ببالي ما يقصده فقلت متسائلا «أفندم ؟» فقال : «يعني أدبوهم ولا لسه؟» وفهمت أخيرا أنه يقصد إن كان قد تم للإسرائيليين تلقين الفلسطينيين درسا بسبب العملية التي قام بها الفدائيون داخل إسرائيل منذ أيام.
وكان الدم يندفع إلى شرايين رأسي وأنا أجيبه «لقد حدث العكس ولقن الفلسطينيون الإسرائيليين درسا» وشرعت أقص عليه آخر المعلومات التي وصلتني عن المقاومة الباسلة التي يتصدى بها الفلسطينيون والقوى الوطنية اللبنانية للهجوم الإسرائيلي ، إذ يبدو أنهم كانوا قد أعدوا أنفسهم اعدادا جيدا لتوقعهم قيام إسرائيل بعملية مضادة داخل لبنان. وكان يستمع لكلامي في شيء من الدهشة ، ثم أخبرته عن البيان الذي أصدرته فقال: «حسنا فعلت» وانتهت المكالمة.
وكنت أتفهم شعوره بعض الشيء – وإن لم أتفق معه ـ فقد كان غاضبا على منظمة التحرير الفلسطينية لانضمامها لجبهة الرفض وتهجمها عليه. كما أنه اعتبر - وكان هذا تقديري أيضا - العملية الفدائية التي قاموا بها داخل اسرائيل موجهة ضد مبادرته لإحراجه أمام الدول العربية وقطع الطريق على من قد يفكر فيها في الانضمام إلى مبادرته وخاصة الأردن ، إلا أن الأمر كان في رأيي أكبر من غريزة التشفي.
السلام الضائع [مذكرات محمد إبراهيم كامل] (ص٢١٦-٢١٧).