- صاحب المنشور: نور بن عبد الكريم
ملخص النقاش:
في عصرنا الحالي، حيث تنتشر الضغوط العملية والتكنولوجيا المتطورة التي غالباً ما تصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، يبرز موضوع توازن الحياة بين العمل والشخصية كنقاش حيوي ويتطلب اهتماماً متزايداً. هذا التحدي ليس مجرد ظاهرة فردية؛ بل هو قضية مجتمعية ذات آثار كبيرة على الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
التوازن بين العمل والحياة الشخصية يشير إلى تحقيق حالة تتسم بتوزيع استراتيجي للوقت والطاقة والجهد لتلبية أهداف وملتزمات الفرد المهنية والشخصية والعائلية والدينية وغيرها. يمكن النظر إليه كتكييف ديناميكي مستمر لموازنة هذه المسؤوليات المختلفة بطريقة تعزز الإنتاجية والإنجازات وتمنع الشعور بالإرهاق والاستنزاف النفسي.
مع ذلك، فإن تحقيق مثل هذا التوازن المثالي أمر غير ممكن دائماً نظراً لطبيعة البيئة المعيشية المزدحمة والمتغيرة بسرعة. فقد أدى انتشار وسائل الاتصال الرقمية الحديثة، مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والبريد الإلكتروني، إلى تشويه الحدود التقليدية بين ساعات العمل وخارجها. أصبح بإمكان صاحب العمل التواصل مع موظفيه خارج نطاق ساعات الدوام الرسمي مما قد يؤدي للشعور بأن "العمل" لم يعد مكان وظيفي محدد وإنما حلقة كاملة لا انقطاع لها حول حياة الشخص بأكملها. وهذا الوضع ينطبق أيضاً على العديد من المهنيين المستقلين الذين يعملون لحسابهم الخاص ويمكن قيام عملهم حتى أثناء وجودهم في المنزل أو خلال فترات الراحة القصيرة.
بالإضافة لذلك، فإن دور المرأة العاملة - خاصة الأمهات - يلعب دوراً محورياً في صياغة مشكلة التوازن بين الحياة الخاصة والمهنية. فبجانب مسؤوليات العمل، عليها مواجهة طلباتها العائلية ومهام رعاية الأطفال ورعاية الأسرة الأخرى بالإضافة للمشاركة المجتمعية المحتملة. كل هذه الأعباء توفر ضغطا ثقيلا ومربكا، وقد تؤدي للإصابة بالتوتر الداخلي وقضايا صحية نفسية وعضوية مختلفة إن تم التعامل بها بلا جدوى فعالة ومدروسة.
ومن الناحية الاقتصادية، تُشير الدراسات إلى أن دعم الشركات لمساعي الموظفين نحو الحفاظ على توازن أفضل بين العمل والحياة يرتبط بنتائج أعمال أكثر نجاحاً. فالعمال الأكثر رضاً واستقراراً هم أكثر إنتاجية وولاء وإخلاص لوظائفهم مقارنة بأقرانهم المضغوطين. كذلك الأمر بالنسبة للتجارب الأكاديمية والبحثية؛ إذ تبين أنه يوجد علاقة طردية مباشرة بين درجة رضا الطلاب عن مستوى توازن حياتهم وبين معدلات درجات التحصيل العلمي لديهم.
أهمية الموضوع
إن فهم واحترام حاجة البشر للحصول على وقت للاسترخاء وتجديد نشاطهم ضروري لإعادة بناء القدرات النفسية والجسدية اللازمة لاستئناف الانتاج مرة أخرى بكفاءة عالية. كما أنه يساهم في خلق بيئة عمل علاقاتها إيجابية ومترابطة حيث يتمتع الجميع بمستويات مناسبة من الثقة بالنفس والمعنويات المرتفعة تجاه مسارات تقدم