وجد عمر بن الخطاب جماعة من الصحابة يكتبون الأحاديث النبوية في رقاع؛ فصاح فيهم: "أمثناةٌ كمثناة أهل الكتاب!" وأمرهم بمحوها وإتلافها.
بالله عليكم أليست المصلحة تقتضي كتابة الحديث في العهد النبوي تحت إشراف النبي وكبار الصحابة؟
عُمَر يعلم أنّ هذا الحديث له مقادير تُفهم في سياقها فقط.
أنت لا تستطيع أن تُفهّم هذا العامّي الجاهل بقضية الظاهر والباطن في الخطاب، ولا تستطيع في نفس الوقت أن تطمس النص عنه.
فما هو الحل؟
كما فعل عُمَر.. تقول هذا خطاب خاص لك يناسب عقليتك فقط.
لا تنقله ولا تكتبه ولا ترويه لأنّ لكل مقام مقال.
لكن لما جاءت أجيال لاحقة من الحشوية الذين لا يعرفون هذه التقسيمات الضرورية في الخطابات العامة نقلوا لنا كل شيء بظاهره وبلا توضيح ولا تمحيص.
وصاروا يتفاخرون بأشياء لم يفعلها الصحابة أنفسهم.
ويأتون بأعذار واهية مثل أنّ الصحابة كانوا مشغولين بالفتوحات وهم انتبهوا لهذا الملحظ المهم.
لو كان الأمر بالشكل الذي يصوّره الحشوية؛ لبادر النبي نفسه إلى تخصيص مكتبة لحفظ جميع كلامه وتبليغه إلى الناس بالصيغة التي يريدها هو.
لكن هذا شيء لم يحدث إلا بعد أكثر من قرن لأنّ القرن الأول كان يعي مقتضيات الخطاب العام ومضامينه السياسية والتربوية.
وهذا شيء عرفه الفلاسفة لاحقاً.
يوجد أذكياء من الفقهاء مثل ابن تيمية يفهمون وجهة نظر الفلاسفة ولكن يقولون لماذا نغامر بظاهر النص من أجل (وَهْم) الباطن؟
هذا التكتيك يُسمى اللعب على المضمون ولكنه ليس شأن أهل التحقيق.
من حقك أن تلعب على المضمون، ولكن التشريح العلمي ومراعاة العوامل الضمنية في الكلام مسألة مهمة.