- صاحب المنشور: غيث الحنفي
ملخص النقاش:
يوفر الدين الإسلامي رؤية شاملة ومستدامة للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، حيث يُعتبر كلا منهما جزءًا من نظام متكامل خلقته الله. تعكس تعاليم الإسلام أهمية الحفاظ على البيئة والحث على استخدام مواردها بطريقة مسؤولة ومتوازنة. وفي هذا السياق، يشدد القرآن والسنة النبوية على ضرورة العناية بالبيئة وتعزيز الاستدامة للجيل الحالي وللأجيال القادمة أيضًا.
إحدى الأدلة الرئيسية لتعزيز هذه الرؤية هي الآيتان الكريمتان التالية من سورة الرحمن: "هو الذي جعل لكم الأرض ذَلُولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور." (71:22) تشجع هذه الآيات المسلمين على استغلال الأرض للاستفادة منها ولكن مع احترام حدودها واستخدامها بحكمة وعدالة. كما تؤكد على المسؤولية الأخلاقية والصيانة للموارد الطبيعية لتكون متاحة للأجيال المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد الحديث الشريف على مكانة البيئة وأهميتها في الإسلام. يقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "إن للإنسان نصيبين نصيب يستوفيه لنفسه ونصيب يحسنه لأخيه المسلم"، مما يعني أنه بالإضافة إلى الاهتمام بصلاح الحالة الشخصية لكل فرد، ينبغي علينا أيضا حماية حقوق الآخرين وضمان مستقبلهم الصحي والمزدهر. ولا تقتصر هذه الحقوق على البشر وحدهم بل تتضمن كذلك الحيوانات والنباتات وغيرها من أشكال الحياة على سطح الكوكب.
في ضوء هذه التعاليم الدينية، أصبح العديد من المفكرين الإسلاميين المعاصرين يعملون بنشاط نحو تطوير سياسات بيئية فعالة ضمن نطاق المجتمع الدولي. ومن أمثلة هؤلاء الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور أحمد كفتارو الذين كتبوا مقالات وبحثوا حول موضوعات مثل تغير المناخ والتلوث والتنمية المستديمة. وقد شجّع عملهم بلورة فهم أكثر شمولا حول دور العقيدة الإسلامية في تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي مستدام بينما تحافظ على صحة وكرامة جميع المخلوقات التي خلقتها الله عز وجل.
ومن الجدير بالملاحظة أيضا الجهود التي تبذلها المنظمات غير الحكومية داخل العالم الإسلامي وخارجه للترويج لقضايا مرتبطة بالعلاقة بين الدين والإدارة البيئية. وتشمل تلك الجهود المشاريع التعليمية والتوعوية وإطلاق الحملات الفعالة لإحداث تغيير ثقافي تجاه قضايا المحافظة على البيئة. مثلاً، قامت جمعية الحفاظ على البيئة العالمية بزيارة دول مختلفة لتأسيس شبكات محلية تدافع عن قضاياهم الخاصة المتعلقة بالنظام البيئي المحلي بكل بلد زارت.
وتماشيا مع توجهات عالمية أكبر، شهدنا مؤتمرات دولية أسهم أعضاء مسلمون بارزون فيها بمناقشة مفصلة بشأن السياسات المقترحة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. فعلى سبيل المثال، شاركت المملكة العربية السعودية وفلسطين وباكستان والعديد من البلدان الأخرى بخطط مدروسة للحفاظ على الطاقة عبر تقنيات نووية وطاقة رياح وطاقة شمسية موفرة انبعاث غازات دفيئة مضرة للغلاف الجوي لكوكبنا الأزرق.
وبالتالي فإن التأثير المحتمل لهذه التحركات يتجاوز مجرد تأمين مصالح الأفراد أو الدول؛ فهي تساهم بإعادة تعريف مدلول التنمية الاقتصادية والنمو الاجتماعي لتشمل الاعتبارات البيئية باعتبارها أمر حيوي لتحقيق الرفاه العام. ومن خلال الجمع بين أسس عقائدية راسخة وشواغل عملية حديثة، يمكن للمجتمعات المسلمة أن تكون رائدة بقيادة حملة واسعة لحماية ورعاية كوكبنا الأم.