يذكّرني لبيد بين ربيعة بالملك لير! فكما عُمِّر لير وطعن في السن عُمِّر لبيد وتجاوز المائة والعشرة على أقل تقدير، وكما كانت هناك علاقة مميزة بين لير وبناته، كانت هناك علاقة مماثلة بين لبيد وابنتيه بُسرة وأسماء، خصوصًا أسماء، أنشأ فيها قصيدةً أعدّها من أعذب ما كتبه أبٌ عن ابنته. https://t.co/XaNHl5HvcP
لم تلق القصيدة التي نحن بصددها حقّها من الاحتفاء رغم عذوبتها، والسبب يعود إلى إهمال الشرّاح ذكر من هي أُسيماء التي يتحدث عنها بحرارة، خُيّل لهم أنّها اسمٌ عابر كنوارِ وسلمى وخولة وسميّة وكُبيشة وهند وباقي الأسماء التي ذكرها كي يؤدي تقاليد المطالع الغزلية، والصواب أنها ابنته.
لم يلتفت إلى القصيدة سوى بعض بُلدانيينا المحليين لأنها تصف سحابة تسافر شمالا عبر عالية نجد من حصاة قحطان حتى بلدة الشعراء. هذا وحده سببٌ كاف كي تُقرر على أبنائنا يحفظونها، فلا شيء يربط المرء بأرضه مثل شعر قديم يتغنى بها ويعدد مواضعها، لكني أريد لهم أيضا أن يتذوقوا عذوبتها الآسرة.
يقول لبيد بن ربيعة رضي الله عنه: طافت أُسَيماءُ بالرحالِ فقد هيّج منّي خيالُها طَرَبا إحدى بني جعفرٍ بأرضهِمِ لم تُمسِ منّي نَوباً وَلا قُرُبا لم أخشَ عُلويةً يمانيّةً * وكم قطعنا من عرعرٍ شُعَبا ؛ أول ما يلفت الانتباه في القصيدة موسيقاها الآسرة كونها من بحر المنسرح.
هذا البحر يوصف بالسهولة والانسراح ويناسب الخفّة التي يجدها المرء في نفسه حين ييمم صوب أهله ودياره. لم يصرّح لبيد بعلاقته بأسماء، بل ألمح إليها إلماحًا، فقال إنّها جعفرية مثله (لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر) وصغّرها فجعلها أُسَيماء، حتى لتكاد تحسّ بكل حَدَب الأبوّة في هذا التصغير.