- صاحب المنشور: بوزيد المغراوي
ملخص النقاش:
غالبًا ما يُنظر إلى العلاقة بين الدين والعلوم على أنها علاقة توتر وعدم توافق؛ حيث يعتقد البعض أنهما مجالين متناقضين تماما. لكن هذا الرأي أحادي الجانب ويتجاهل التاريخ المشترك الغني للتفاعل والتأثير المتبادل بينهما. منذ الحضارات القديمة مثل اليونانية والفارسية والإسلامية، شهدنا العديد من الشخصيات التي كانت بارزة علميا ودينيا في نفس الوقت. هذه الشخصيات لم تكن مجرد مفكرين دينيين تبنوا بعض الأفكار العلمية بل كانوا رواداً في المجالين معاً.
في الحضارة الإسلامية تحديداً، كان هناك تكامل وثيق بين الدين والعلم. فالعرب المسلمون الذين اعتمدوا الإسلام كدين لهم، أعطوا الأولوية للتعليم والعلم. إنهم طوروا أعمال الفلاسفة القدامى مثل أفلاطون وأرسطو وأدمجوها مع تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية. نتيجة لذلك، ازدهرت علوم الرياضيات، الفلك، الطب، الهندسة وغيرها خلال العصور الوسطى الأوروبية المعروفة باسم "عصر الظلام".
الأدلة على ذلك واضحة ومتعددة. مثلاً، العالم العربي أبو الريحان البيروني الذي عاش في القرن العاشر الميلادي عمل كمفسر للأدعية الدينية ولكنه أيضا قدم مساهمات هامة في الجغرافيا وعلم الزلازل والكيمياء والرياضيات. بنفس الطريقة، عرف ابن سينا بالأطباء المسلمين ولكن كتاباته الشهيرة "القانون في الطب" تحتوي على نظريات علمية رائدة مازالت تعتبر مرجعا حتى اليوم بعد مرور أكثر من ألف سنة على تأليفه لها.
بعد قرنين، ظهر عالم مسلم آخر هو غازي خوارزمي، وهو معروف بتطور نظام الأرقام الهندي العربي والذي أصبح أساس النظام العددي العالمي الحالي. بالإضافة لهذا، كتب أيضا مؤلفات مهمة حول الهندسة والفلك والجغرافية والموسيقى فضلاً عن تورطه العميق بالتفسير الديني للنصوص المقدّسة.
هذه الأمثلة تؤكد أن التوافق بين الدين والعلم ليس مستحيلا وإنما ممكن التطبيق العملي وكان كذلك بالفعل عبر التاريخ. بالطبع قد تكون هنالك اختلافات وتباينات فيما يتعلق بمستويات القبول الاجتماعي والثقافي لكل منهما حسب البيئة الاجتماعية والدينية prevailing social and religious environment ، إلا أن القدرة على وجود جوهر مشترك بين الاثنين وقدرتهم على العمل جنباً الى جنب ظاهرة ويجب الاعتراف بها وتحليلها بعناية أكبر مما يتم حالياً.
اليوم أيضاً نرى تحركات نحو المزيد من التواصل والتفاهم بين المنظورين الديني والعلمي خاصة داخل المجتمع العلماني الحديث الذي يسعى لفهم أفضل لعناصر الثقافة التقليدية بما فيها التعاليم الدينية. يمكن لهذه المحاولات المبذولة لبناء جسور الخلاف وتعزيز فهم متعدد وجهات النظر المختلفة أن تساهم بشكل كبير في تحقيق تقدم علمي أخلاقوي حقيقي مبني على قواعد مشتركة قابلة للتطبيق universally applicable shared foundations .