فيما يروي أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قوله "إنني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون (...) أتت السماء وحق لها أن تتأوه، ليس هناك مكان مقداره أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله." هذا الوصف الرائع للسماء يعطينا لمحة عميقة عن عالم الروحانيات والملائكة الذين هم دائمًا في حالة عبادة وخضوع أمام بارئ الأكوان.
هذا التصريح، وإن كان قد يبدو مثيراً للاهتمام أولياً بسبب حجمه الكبير مقارنة بمكان صغير مثل أربعة أصابع، فهو ليس محل أي إشكالية بناءً على عدة اعتبارات مهمة. أولاً، خلق الملائكة متنوع ومتعدد الأشكال كما ذكر القرآن الكريم في الآية "الرحمن: فصلوات الرسل الذين لهم مخالب زوجان وثلاث ورباع يزيد في الخلق مايشاء". مع العلم بأن التفاصيل الدقيقة لتكوين هذين النوع من الكائنات غير معروفة لدينا مما يدحض فرضية وجود تنافر منطقي هنا.
كما تشير الحياة الدنيا، فإن الهيئة المادية للملائكة ليست مشابهة للإنسان تماماً. فقد تم منحهم القدرة الخاصة للتغير والتكيف حتى تتمكن منهم المحادثات الإنسانية كالحديث القدسي حول ظهور جبريل بكامل شكله أثناء نزوله ليلاً إلى الأرض. ويذكر أيضاً أنه ظهر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بنفس الوجه الذي اعتاد الناس رؤيته به عندما جاء له برسالة سماوية خاصة. هذا يدعم فكرة مرونة التعبير البدني لدى الملائكة وسلطتهم الداخلية.
ومع التأمل في النص الأصلي للحكم الأخير، يمكننا القول بأنه ربما يكون يشير إلى كون كل جزء صغير ضمن السماء متواجد فيه أحد أعضاء الفرقة الملائكية المستمرة بالعبادة والصلاة. وبالتالي، لن تجد فراغاً حتى بحجم أربعة أصابع بدون وجود ملاكي يحافظ عليها ويتعبد بها. إنه مشهد رائع يجسد مدى تواضع وقوة تلك النفوس المجردة التي تسعى دائماً لإرضاء الرب عز وجل بكل طاقاتها واستعداداتها الهائلة.
والخلاصة، بينما تنظر للعالم الطبيعي للكون، يجب عليك أيضا البحث عن الجانب الآخر الروحي والعلوي منه والذي نعرفه ولكن بإسلوب مختلف عبر التعريف القرآني والسنة النبوية المطهرة.