في سطور التاريخ الإنساني, يلوح اسم النبي نوح كواحدٍ من أكثر الشخصيات تأثيراً وروعة. هذه الشخصية الدينية الهامة ليست مجرد ذكر في كتب الدين الإسلامي والمسيحي فقط؛ بل هي أيضاً مصدر إلهام عبر العصور. يعود الأصل إلى فترة الجاهلية الأولى عندما بدأ البشرية بالابتعاد التدريجي عن طاعة الله تعالى وبدء الشرك بالأفعال والأفكار. في هذا السياق، جاءت الرسالة النبوية لنوح -عليه السلام-.
نوح ولد ونشأ في مجتمع كان قد فقد بصيرته الروحية وباعها للهوى والشيطان. رغم ذلك، ظل نوح ثابتاً على إيمانه الراسخ بتعاليم الواحد الأحد والقادر المطلق. بدأت دعوته منذ شبابه المبكر ومضى بنشر رسالته لأكثر مما بلغ عمره ألف عام حسب بعض التفاسير الإسلامية. كانت مهمته معقدة وصعبة لأن الناس كانوا مشغولين بمباهج الحياة الدنيا ولم يكن لديهم وقت للتفكير فيما هو أبعد من وجودهم اللحظي. لكن نوح لم يفقد الأمل وكان دائماً يدعو ربه ليهدي قلوب الضالين ويعيد لهم الهداية مرة أخرى.
بعد سنين طويلة من الدعوة الصبورة التي واجه فيها مقاومة شديدة من قبل أتباع وثنيتهم, أمر الله سبحانه وتعالى نوح ببناء السفينة لغرض إنقاذ أولئك الذين آمنوا معه وإبقاء نبضات الإيمان حيّة حتى بعد الطوفان المدمر. الفكرة تبدو وكأنها خيال بالنسبة لمن حول نوح ولكنه استمر بلا تردد مستعيناً بربه ومؤمناً بوعده له بأن يحقق الغايات المنشودة. تحمل العمل الشاق والفائق والذي امتد لمدة قرن تقريبياً، كل المؤمنين الذين اختارهم الرب لتكون سفينته سفينة النجاه الوحيده في العالم آنذاك. دخل الجميع وأغلقت أبواب الأمن تحت جنح الليل بينما غمرت المياه الأرض وشرد أهل الأرض جميعهم باستثناء من هم داخل تلك المركبة العملاقة. واستمرت الرحلة أياماً عديدة عادت خلالها الحياة تدريجياً ولكن ليس كما كانت سابقاً، فقد زالت حضارة الشر والكفر وتم تقديم بداية جديدة للمستقبل القادم الذي سيصلحه الذين حافظوا علي كلمتهم بإخلاص وتقوي الله عز وجل.
ختام هذه الحقبة الرائعة جاء عند الهبوط الآمن وفي مكان مقدس عرف لاحقاً باسم جبل الجودي المقدس، وهناك تم إلقاء بذور النباتات والتأكيد الرسمي لعودة الانسان الي طبيعته الطبيعية بالحياة وبالعمل المستقيم والثبات علی النهج القرآني السليم للحاضر والمستقبليات المرئية وغير المرئية لكل الخلائق اليوم وغداً وما بعد يوم القيامة المباركة. إنها حقاً قصَّة تستحق التأمل والتدبر لما تحتويه من درسا وعِبَر يمكن الاستفادة منها بشكل مباشر أو غير مباشر لدفع عجلة التقدم نحو طريق الأخلاق الحميدة والسلوك الصحيح أمام وجه رب العالمین وحده وليس امام ما هُو خلق منه وابدع فيه وهو خير مالك وخالق وخالق المجرات والحشرات الصغيرة وانواع الحيوانات المختلفة واسماء ذوات فرائس بدون حدود لها وللعقول كذلك!