في رحاب التاريخ الديني العريق، يأتي ذكر نبينا نوح عليه السلام كأحد الأنبياء الذين حملوا رسالة الله إلى البشرية. يُعد قصة نوح وعائلته واحدة من أكثر القصص تأثيراً وتقديساً في التراث الإسلامي. هذا المقال يستعرض حياة وأبناء نوح عليه السلام - سام وحام ويافث – وكيف شكلت شخصياتهم جزءاً أساسياً مما يُعرف اليوم بثقافات العالم المختلفة.
نوح عليه السلام، النبي الصبور والمخلص، عاش فترة طويلة مليئة بالمعاناة بسبب غرق الأرض وخروج الناس عن طريق الحق والإيمان. لكن دعوة نوح استمرت بلا ملل حتى رضخ له مجموعة مختارة ممن آمنوا معه. بعد الطوفان الشهير، نجا الوالد الكريم وأسرته داخل السفينة الآمنة التي أمرها الله سبحانه وتعالى بصنعها. ومن ضمن هؤلاء الناجين الثلاثة البنين الثلاثة لسيدنا نوح عليهم جميعا السلام: سام، حام، ويافث. كل واحد منهم يمثل فصلاً جديداً للبشرية بعد الزوال الهائل للمجتمع القديم.
سام بن نوح كان أول المولودين لوالده, واسمه يعني "اسم عظيم". وفقًا للتقاليد الإسلامية والمسيحية اليهودية على حد سواء, فإن سلالة سام هي التي أدت لاحقا لتأسيس ديانة إبراهيم الخليل والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيما يعرف بالعبرانيين والعرب والأشوريين. تواتر هذه السلالات عبر الحقب الزمنية وانتقلت تراث النبوة بفضل تعاليم شريعة سيدنا إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم. وتُعتبر سوريا وفلسطين وجزء كبير من الشرق الأوسط مهدت حضارات هامة تنتمي لهذه الفرع السامي.
أما حام فتظهر قصصه بشكل بارز أيضًا رغم أنه قد ارتكب خطيئة تجاه أبيه أثناء صحوتهم الأولى عقب الفاجعة العالمية المدمرة. ومع ذلك فقد تم تكفيره بتوجيه مباشر من الوحي الإلهي حسب فهم المسلمين والتفسير القرآني للأحداث. ويعود نسبه لحكام أفريقيا الشمالية وبحر البحر الأبيض المتوسط بالإضافة للشعب المصري القديم والفينيقيون أيضا ينسبون لأنساب حام الأكبر.
وبالنسبة ليفت أو يافث، فهو الأخ الثالث لأبناء نوح. وقد اتسمت حياته بالإخلاص والاستقامة منذ نعومة أظافره خلال الرحلات البرية الشاقة نحو شمال القوقاز بما فيها منطقة روسيا وآسيا الوسطى الغربية حاليا والتي تعتبر قوام التركيز الجغرافي لنسل يافت كما ورد ذكره تاريخيًا ودينيًا كذلك.
إن تتبع مسار حياة ابناء نوح يقدم لنا دروساً عميقة حول الاستمرارية الإنسانية والتجدد الثقافي الذي بدأ بإعادة بناء المجتمعات الجديدة خارج أسوار سفينة نوح المحمية بمشيئة رب العالمين. إن أفعال وابتعاد البعض عن الرشد لم تحجب مبادئ العدالة الربانية بل ظلت تؤكد قدرتها على حل المشكلات بغض النظرعن مدى سوء تصرفاتها وسلوكها المنحرف وقتذاك. فالرسالة المقدسة هنا ليست فقط تقع على عاتق المؤمنون ولكن تشمل حتى الخطأة الذين لديهم فرصة مستقبلية للإصلاح والتوبة مهما بلغ سوء أعمالهم ما دام هناك مجالٌ للحياة قبل الموت وبعده ايضا! وهذا يعكس الرحمة الإلهية الجلية منذ القدم والمعروف عنها أنها سوف تستمر حتى يوم القيامة كما أخبر القرآن الكريم بذلك العديد من المواضع بالتأكيد.[٣]