في رحلتنا العمرانيّة الروحيّة، يعدّ حسنُ الخلق أحد أهم المقاييس التي تقيس تقدم الإنسان نحو الفلاح والسداد في الحياة الدنيا والآخرة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه مسلم: "إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ صالح الأخلاق". هذه العبارات الشريفة تؤكد أولويّة حسن الخلق وشرف مكانه بين مقاصد الدين الإسلامي الحنيف. إن حسن الخلق ليس مجرد أمر شخصي، بل هو واجب اجتماعي يُساهم في تماسك المجتمع وترابط أفراده.
يتجلى حسن الخلق في العديد من جوانب الشخصية الإنسانية، منها الطيبة مع الآخرين، والإحسان إليهم، واحترام شرائع الدين وأوامره ونواهيه. كما أنه يشمل تعزيز العلاقات الاجتماعية القائمة على التفاهم والتسامح والمودة، مما يخلق بيئة مجتمعية سليمة ومستقرة. وفي هذا السياق، يشدد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة على دور حسن الخلق في رفع مكانة المسلم عند الله وعند الناس، كقوله: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا".
ومن الأمثلة البارزة لحسن الخلق في السنة النبوية ما جاء في الحديث القدسي الذي رواه البخاري ومسلم، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه براء". وهذه الآية تحمل رسالة واضحة بشأن أهمية عدم مشاركة فضائل الأعمال الدينية مع آلهة أخرى، كونها تنافي جوهر العقيدة الإسلامية الصافية.
وفي مجال المعاملة اليومية للأشخاص الذين نتعامل معهم بشكل يومي، يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على ضرورة التعامل بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى عندما نواجه الأشخاص ذوي طبائع سيئة وكلام سيء. فكما ورد عنه في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: "إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا". وهذا يدل على أن حسن الخلق ليس فقط مجموعة من التصرفات الجيدة ولكن أيضا القدرة على التحلي بالهدوء والصبر والمغفرة تجاه الغير مهما كانت حالتهم النفسية أو تصرفاتهم.
ختاماً، يمكن القول بأن حسن الخلق ليست مهمة شخصية فردية فحسب بل هي مسؤولية مشتركة تسهم في بناء مجتمع متماسك ومتراحم ومتعاون وفق مبادئ الإصلاح الاجتماعي والانسجام الداخلي والخارجي للإنسان المسلم. ومن خلال اتباع سنة نبينا الكريم واتخاذ أحاديثه التي تدعو إليه دليلاً لنا، سنحقق بذلك جزءا عميقاً من سعادتنا وسعادة الآخرين في دنيا وآخرة بإذن الله عز وجل.