السنة التي هزّت قلوب المؤمنين: رحلة العام الذي عُرف بحزن المسلمين

كان لعام 632 ميلادي أو ما يعرف بعام الوفود عند العرب مكانة خاصة ومختلفة في التاريخ الإسلامي. هذا العام حاز على تسميته "عام الحزن" بسبب الأحداث الجسام

كان لعام 632 ميلادي أو ما يعرف بعام الوفود عند العرب مكانة خاصة ومختلفة في التاريخ الإسلامي. هذا العام حاز على تسميته "عام الحزن" بسبب الأحداث الجسام والمآسي العظيمة التي شهدها المسلمون آنذاك. بدأت هذه الفترة مع وفاة زوجات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد وعمّه أبو طالب ثم وفاته بعد ذلك بفترة قصيرة. لهذه الأمور الثلاث تأثير كبير ومتداخل فيما بينهما.

خديجة رضي الله عنها كانت خير سند للنبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ البداية، وكانت أول من آمن برسالة الرسالة المحمدية. فقدانها ترك فراغاً كبيراً في حياة النبي عليه الصلاة والسلام وأثر بشكل عميق على مشاعره. بينما كان أبو طالب مأوى وحامي للمسلمين ضد بطش قريش وأعدائهم الآخرين مما جعله يلقب بأبو القرى حتى قبل إسلامه. وبعد موته لم يعد هناك داعم رئيسي يحمي المؤمنين المتزايد عددهم يومياً.

وفي نفس الوقت تقريباً جاء خبر سقوط قبيلة دوس - إحدى أكثر القبائل قوة وتأثيراً في شبه الجزيرة العربية آنذاك- تحت حكم الفرس وهزمتهم وهجرت إلى المدينة المنورة بحثا عن ملجأ جديد. وهذا حدث غير متوقع أضاف عبئا آخر لأعباء الخلافة الوليدة وسط مجتمع يعاني أصلاً من ضغط الحرب والحصار الاقتصادي المستمر من قريش الذين كانوا يبذلون كل جهودهم لإضعاف المجتمع الناشئ حديثا.

بالإضافة لكل تلك الضربات الثقيلة، توفي الصحابي الجليل حمزة بن عبد المطلب شهيداً أثناء غزوة الطائف وهو أحد أقرب أقارب النبي الأعظم وصاحب الشأن الكبير في الجهاد والدفاع عنه شخصيًا بالإضافة لدوره كقائد عسكري بارع ساعد كثيرا في توسيع دائرة النفوذ الإسلامية. إن خسارة مثل هؤلاء الرجال القديرين أدت مباشرة لنزع الاستقرار الداخلي للمجتمع الجديد نسبيا والذي ربما يشعر بالفعل بالقلق بشأن مستقبله السياسي والعسكري عقب وفاته صلى الله عليه وسلم فقط.

إن الجمع بين هذه النكسات عدة دفعات جعل عام 632م فترة مليئة بالحزن والصدمة للمؤمنين، وقد تلخص شعوره تجاهها قوله تعالى في القرآن الكريم: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ خاشِعِينَ läّتِيءَللَّهِ ولا يخافون ولا يهنون} [آل عمران : ١١٣]. بالتالي أصبح هذا العام معروف لدى علماء ومؤرخوا الدين باسم "الحزن"، ليس فقط لأنه حمل الألم والبلاء ولكن أيضا لأنها اختبرت إيمان المؤمنين وثبات دينهم أمام عقبة هائلة تهدد بتفتيت دولتهم الصغيرة ولادة وقتذاك.


الفقيه أبو محمد

17997 مدونة المشاركات

التعليقات