الحكمة الربانية في الابتلاءات البشرية: رحلة التعلم والتكامل الروحي

في سياق فهم الطبيعة الإنسانية والدور الخلافي للأفراد ضمن النظام الكوني، فإن قراءة عميقة لحكمة الله تعالى في الابتلاء تعتبر ضرورة معرفية وروحية. فالدني

في سياق فهم الطبيعة الإنسانية والدور الخلافي للأفراد ضمن النظام الكوني، فإن قراءة عميقة لحكمة الله تعالى في الابتلاء تعتبر ضرورة معرفية وروحية. فالدنيا ليست فقط مكاناً للراحة والاستقرار؛ إنها أيضاً ميدان اختبار وعبرة تعكس مدى قوة إيمان الفرد وثباته أمام مختلف الظروف. إنّ قدرة الله جل وعلا تشمل جميع جوانب الحياة، بدءاً بخلق السماء والأرض وانتهاءً بوضع القواعد التي تحكم وجود البشر فيها، والتي تتضمن جانب الاختبار والابتلاء.

هذه التجربة المعقدة ليست عقوبة بل هي مفتاح لإظهار نعمة الله وحكمته. فعندما يتم ابتلاء الإنسان، سواء كان ذلك عبر المرض أو فقده لأحد الأحباب أو مواجهة تحديات مادية أخرى، فهذه هي الرحلة نحو الرقي الروحي والعلو الأخروي. كما تؤكد العديد من النصوص الشرعية مثل حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:"إن العبد إذا سبقت له من الله منزلةٌ لم يبلغْها بعملهِ ابتلاهُ اللهُ في جسدهِ أو في مالهِ أو في ولدهِ ثمَّ صبَّرهُ على ذلك حتَّى يُبلِّغه المنزلةَ التي سبقتْ له من الله". هنا يعكس الحديث الكريم كيف يستخدم الله الابتلاء كمفتاح لتحقيق مراتب أعلى في الجنة لمن بلغ مستوى معين من الايمان والقرب من الله.

بالإضافة إلى ذلك، يساعد الابتلاء أيضا في تطهير النفس من الذنوب والمغفرة لها. يقول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم :"لا يَزالُ البَلاء بالمُؤمِنِ في نَفسِه ومالِهِ ووَلَدِه حتَّى يَلقَى اللهَ وما عليه من خَطيئة." وهذا يدل على ان تقبل المرء للاختبارات والصبر امام مصائب الحياة يساهم بشكل فعال في تجنب ارتكاب الذنوب ويعتبر نوع من انواع الزهد والكفاف الروحي.

وفي النهاية، يعد الابتلاء مؤشر واضح على قوة الرابطة بين العبد وربه. إنه الوقت المناسب للتأكيد على أهمية الامتثال والإخلاص أثناء المواقف الصعبة، وهو درس مهم حول الثقة المطلق بالحكمة الإلهية رغم عدم القدرة على رؤية الوجه الآخر لهذه الاحداث. يقول القرآن الكريم : "لقد خلقنا الانسان في مشقة" ، مجازياً يشير الى طبيعة الحياة الدنيا بأنها مليئة بالتحديات لكن هدفنا الرئيسي ليس هناك ولكن بعد البرزخ عندما نزور الجنة ونستمتع بحياة كاملة بدون تعب وصراع .

وفي نهاية الأمر، تعد عملية الابتلاء جزء أساسي للحصول على تمكين المؤمنين لاحقا وفق دعوة عالم الدين الاسلامي الكبير الشافعي رضي الله عنه حين صرح انه "التمكن درجة الأنبياء، ولا يكون التمكين الا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر, وإذا صبر مكَّن". بالإضافة لذلك، تعمل التجارب المختلفة كوسيلة تنوير حقيقية لنا لتوضيح الصورة الواضحة فيما يتعلق بزيف العالم الدنيوي وضيق عمر الانسان فيه مقابل عرض حياة ابديه سعيدة ومتكاملة في الاخرة حسب تأكيد القرأن الكريم :{ إن ديار الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون }.


الفقيه أبو محمد

17997 Blog posts

Comments