في رحلتنا الحياتية القصيرة، يواجه الإنسان لحظات حرجة تتطلب منه شد الرحال نحو الله عز وجل وإظهار أعلى درجات الصبر والإيمان. وفي هذا السياق، يأتي دور الوحي الإسلامي والتوجيه النبوي كمرشد لنا خلال تلك اللحظات الفاصلة. تسرد العديد من الأحاديث الشريفة نماذج رائعة للصبر والثبات أمام مشهد الموت الوشيك، مما يعلمنا الدروس العميقة حول قيمة الصبر وأثره الإيجابي في حياة المسلم.
من بين هذه الأحاديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الرُّؤوسِ مِنَ الأمْر» (رواه البخاري). تشير هذه الحديث إلى أهمية تحقيق القدر الأكبر من الصبر عندما نواجه المصائب والأحداث المؤلمة التي قد تبدو غير متوقعة أو مفاجئة. إنه دعوة للاستعداد النفسي والعقلي لمواجهة تحديات الحياة بكل ثبات وثقة إيمانية راسخة.
كما ورد حديث آخر يؤكد على قوة التأثير الروحي والصبر أثناء لحظة الاحتضار، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إذا حَضَرَ أحدكم موتَه فَلْيَحْمِلْ لِسريره ثلاثاً مِن المسلمين، وليقل فيهنَّ: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث». يُعد هذا الحديث توجيهاً عملياً للمريض بأن يستعين بأحد أقربائه الثلاثة الذين يحضرون محيط فراش الموت لدعائهم معه ودعمهم المعنوي له خلال الفترة الأخيرة قبيل وفاته. يقودنا ذلك إلى إدراك ضرورة تواجد الأخوة المؤمنة والمؤازرة الإنسانية القائمة على أساس الدين وروح الفريق الواحد تجاه بعضنا البعض.
وفي سجل التاريخ الإسلامي المبكر، نرى مثالاً مشرقاً لصبر الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً وهم تحت تهديد الموت بسبب دينهم. فقد كانت معركة بدر أول معارك المسلمين ضد قريش المشركة عام 2 هـ تجربة مؤثرة للغاية بالنسبة لهم؛ حيث واجهوا ضعف عددهم وعدتهم مقارنة بجيش قريش الكبير المدجج بالسلاح. لكن رغم ذلك، أبى الصحابة إلا أن يصمدوا ويقاتلوا بشجاعة مستندين فقط لإيمانهم الراسخ بتعاليم الإسلام وبأن النصر من عند الله تعالى وحده. وقد وصف القرآن الكريم شجاعتهم وصمودهم حين ذكر قصتهم قائلاً: {إذ استنجدكم ربكم بقوله: إني معكم لأنصركم}. [سورة الأنفال - الآية 47]. وعلى الرغم ممّا تعرضوا له من خسائر بشرية ومادية، إلّا أنها جاءت نتيجة صدق إيمانهم وانتصار حقائق رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على باطلهم. وهذا يدل بدوره على مدى تأثير الصبر واحتماله الواقعي حتى وإن كان الظرف الخارجي صعبًا جدًا.
وأخيراً وليس آخراً، نذكر الحديث الذي يشجع المتوفى نفسه على المثابرة حتى بعد انتهاء حياته الجسدية هنا على الأرض. إذ يحكي ابن عباس رضي الله عنهما عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا مات أحدكم فلا يبقى على فراشه". فهذا الحديث يوحي بأن الشخص المنصرف لساحة الخلود يجب ألّا يغفل العمل الصالح ولو لبضع ساعات بعد وفاته الزمنية الأولى. بل ينصح الجميع بالتوجه مباشرة لتشييع جثمان الفقيد والدعاء له بالرحمة مقابل عدم تركه بمفرده لمدة طويلة قبل دفنه نهائياً وفقا للتقاليد الإسلامية المعتادة آنذاك والتي تتماشى مع نظرة المجتمع للحياة الآخرة أكثر منها اهتمام بالحفاظ بشكل جسدي ثابت لجثة المتوفى فترة طويل.
وبالتالي فإن دراسة هذه المواقف النبوية الهامة توفر فرصة فريدة لفهم طبيعة النفس البشرية وكيف يمكن تطوير مهارات وعادات جديدة لتحسين قدرتنا العامة على تحمل ضغوط الحياة المختلفة بما فيها مصيبة النهاية الطبيعية للإنسان وهي الموت تدبير رباني قضاء محتوم لكل خلائقه سواء أكانت حالته صحية جيدة أم سيئة ملحة. إنها دعوة عميقة لاستثمار الوقت الحالي بحكمة واتخاذ قرارات ذكية ومسؤولة تساعد المؤمن ليصبح جاهزاً لقائله المحبوب يوم القيامة بإذن الله سبحانه وتعالى.