تعد سورة الشمس إحدى سور القرآن الكريم التي تحمل بين طياتها دلالات عميقة ومعاني عظيمة. وقد نزل الوحي الإلهي لهذه السورة المباركة لأسباب متنوعة مرتبطة بمكان وتاريخ نزولها ومحتواها الديني والفلسفي. سنتناول هنا تفصيلاً للأحداث المؤدية لنزول هذه السورة العظيمة، مع التركيز على الجوانب الشرعية والتاريخية ذات الصلة.
سورة الشمس هي السورة رقم 91 ضمن ترتيب المصحف الشريف، وهي واحدة من ثلاث عشرة سورة مكية تقع كلها عند نهاية الجزء الثلاثين الأخير منه. يرجع تاريخ نزول معظم آياتها إلى العام الثامن قبل الهجرة النبوية الشريفة أثناء فترة الدعوة السرية للمؤمنين والمؤمنات جدد بالإسلام. ومن الجدير بالذكر أن سبب نزول بعض الآيات قد يختلف وفقاً لتوجهات مختلفة أثرت على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.
وفقاً لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، فإن سورتي الشمس والليل هما أول ما نزل من القرآن بعد سورة الفاتحة والسجدة. ويُعتقد بأن الأولى منها -أي سورة الشمس- كانت نتيجة للاستفسار المتكرر من المشركين حول طبيعة قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته مقابل تحديثاتهم العلمانية حينذاك. فقد كانوا يعيشون ظروفاً مؤقتة مثل غروب الشمس وبزوغ القمر ودوران الأرض وغير ذلك مما حدا بهم للتساؤل حول خالق هذا العالم الواسع وكيفية ارتباط تلك الظواهر الطبيعية بخلق الإنسان وجوده.
وفي رد مباشر على استنكارهم واستبعادهم لعظمة الخالق عز وجل، ابتدأت السورة بالتأكيد: "وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا" [الشمس: 1]، متحدثة مباشرة عن أهميتها كرمز للضوء والنور والعلم والفهم والمعرفة الإنسانية. ثم تابعت بتوضيح مفهوم الجنة والنار والجهاد الروحي والإيمان الحقيقي للإنسان المسلم تجاه ربّه، بالإضافة لمناقشة مسألة البعث والحساب يوم القيامة وما يحتمله الأمر من عقاب أو ثواب لمن يؤمن حقّاً بما جاء به النبي محمد ﷺ. كما أكدت أيضاً على ضرورة اتباع طريق الحق والثبات عليه بغض النظر عن العراقيل والصعوبات التي تواجه المؤمنين الأوائل آنذاك.
ومن خلال مطالعتنا لسيرة الصحابة رضوان الله عليهم الذين شهدوا بشكل مباشر لحظة اكتمال تنزيل هذه الآيات الربانية، يمكننا فهم العمق الفلسفي والديني لهذا النص القرآني الرائع. فالمشكلات المعاصرة قديماً وحديثاً تشترك جميعها بذاتها فيما يتعلق بفهم الغرض النهائي لكل كائن حي داخل نظام الحياة الكوني برمته؛ سواء تعلق الموضوع بنظرية خلق الكون نفسه أم بحقيقة الموت والبقاء بعد الممات. وهكذا تستمر رسالة القرآن المجيد عبر الزمن غير محدودٍ، مستخدماً أدوات بسيطة ولكن تأثيرها هائل لتحقيق أهداف سامية وغاية نبيلة تسعى لها البشرية جمعاء منذ بداية خلقه حتى ظهور آخر عبد يدخل الجنة بإذن الله تعالى.