العفو والصفح، رغم ارتباطهما الوثيق في العديد من السياقات الاجتماعية والدينية، إلا أنهما يختلفان بشكل واضح في مضامينها وأبعادهما النفسية والإنسانية. وفي هذا المقال، سنستعرض هذه الاختلافات بناءً على تعاليم الإسلام الرشيدة، لتوضيح الفرق بين مفهوم العفو ومفهوم الصفح وكيف يمكن أن يساهما معا في تحقيق السلام الداخلي والخارجي للإنسان المسلم.
في سياق الدين الإسلامي، يُعرَّف "العفو" بأنه انسحاب الحقوق الشرعية للمظلوم تجاه الظالم، سواء كانت تلك الحقوق مادية أو معنوية. وهذا الأمر مستمد مباشرة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوا۟ أَيْدِيَهُمَا"، ثم يأتي بعد ذلك الأمر بالعفو إذا كان هناك مانع شرعي مثل الجهل أو القصور العقلي: "[فَلَمَّا ٱسْتَيْقَنَآءُهُمْ قَضَيْنَا بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَأَدْبَرْنَا ٱلصَّٰلِحِينَ].[1] كما حثنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على العفو قائلاً: «من عفا عفا الله عنه».[2]
أما المصطلح الثاني الذي نناقشه هنا -الصفح- فهو أقرب إلى جانب النفسي والعاطفي أكثر منه قانونياً ودينيًا. يشير "الصفح" إلى زوال الضغن والكراهية من قلب الإنسان تجاه الشخص الذي أساء له أو ظلمه. وهو حالة روحية تتضمن غفران القلب وعدم الاحتفاظ بالحقد ضد المعتدي حتى لو لم يسترجع حقوقه القانونية. قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "الصبر جنة، والصفح بركة". ويصف القرآن الكريم بعض صحابة النبي الذين اتصفوا بذلك حين ذكر قصة الأخوين يوسف ويهوذا عندما قابلا أختهم بيسوع رغماً عن ما فعله سابقاً، حيث لم يحتفظ أحدهم بغضب الماضي بل سامحه الآخر.[3]
وبذلك يمكننا القول إن العفو يتمثل أساساً في aspect juridical ويتعلق بتطبيق الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية، بينما الصفح هو تجربة داخلية عميقة تصاحب عملية الغفران الروحي وتحقيق التسامح الحقيقي بدون انتظار مقابل. وبالتالي فإن الجمع بين هذين المبدأين يعطي منظورا شاملا للأبعاد المختلفة للعلاقة الشخصية والحالة المجتمعية الصحية والمزدهرة تحت مظلة التعامل الإنساني الرفيع المستمد من مفاهيم الديانة الإسلامية المتكاملة.
المراجع:
[1] سورة المائدة الآية 38-39
[2] صحيح مسلم, باب فضائل العلم والمعرفة [كتاب البر] رقم الحديث رقم 2697
[3] سورة يوسف الآيات 45-47