في رحلة ابتكار الأديان عبر التاريخ الإنساني، تعد سورة العباس وتولي واحدة من أكثر السور غموضاً ومثيراً للنقاش بين المؤمنين والمفسرين. هذه السورة التي تحمل الرقم (80) في ترتيب المصحف الشريف، لها قصة غنية ومتشابكة تتعلق بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام. يُعتبر فهم سبب نزول الآيات الواردة فيها خطوة أساسية نحو التعرف بشكل أدق على تعاليم الإسلام ونقاط القوة فيه.
يرجع الكثيرون السبب الرئيسي لنزول سورة العباس وتولي إلى حادثة معروفة وقعت خلال فترة وجود النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة. كان هناك رجل يدعى عبد الله بن أبي - وهو أحد زعماء اليهود الذين اعتنقوا الدين الإسلامي لاحقًا - قد دعا بني قومه لقتال المسلمين بعد تأثرهم بخطبته المثيرة ضد الرسالة الإسلامية الجديدة. رد فعل النبي صلى الله عليه وسلم تجاه هذا التحريض كان حازماً وهادئا في الوقت نفسه؛ فهو أمر الصحابة بالتوقف أمام منزل الرجل حتى يقرر ما سيحدث. ولكن عند رؤيته لهم مجتمعين بهذا العدد الكبير، شعر بالخوف والرعب مما دفع به للهرب بدلاً من مواجهة الحقيقة ببساطة ولم يحقق وعده بالإجابة لمقابلة النبي عندما طلب منه ذلك بالفعل. ومن ثم جاء الأمر الإلهي بتحذيره والتوبيخ له بسبب فعله الجبان تحت الضغط النفسي. وهكذا تم تنزيل آيات سورة العباس وتولي كتعليمات مباشرة من الرب عز وجل للإصلاح والعظة.
وتعد عبارة "عبس وتولى" والتي تشكل العنوان لهذه السورة جزءاً أساسياً منها يعكس بشدة الشعور العام للسورة وهي توضح لنا كيف يمكن للشخص أن يصبح ملعوناً إذا أصبح جبنان وعجز عن القيام بما هو مطلوب منه إيمانياً واجتماعيا. وفي نفس السياق نجد أن السورة نفسها تؤكد أيضاً على أهمية التزام الأفراد برسالة الحق وزجر الأشخاص الذين يخالفونه بغض النظر عن مواقعهم الاجتماعية أو السياسية داخل المجتمع المسلم آنذاك.
ختاماً، فإن دراسة تفصيلية لسورة العباس وتولي تكشف البعد الأخلاقي والديني لهذه الحادثة بالإضافة لاستخلاص الدروس المستفادة حول قوة الشخصية وصمود العقيدة وكيف أنها حتى اليوم مصدر إلهام لكل مسلم يسعى للحفاظ على مبادئه وضد الانحراف عنها مهما كانت الظروف شديدة الصعوبة كما حدث مع سيدنا عبدالله بن ابي حيث اضطر الفرار من وجه صحابه نتيجة خشيتهم لرؤيتهم .