في رحاب الدين الإسلامي الحنيف، يحظى الحديث النبوي بمكانة سامية باعتباره مصدراً ثانوياً للتشريع بعد القرآن الكريم. أحد الأحاديث التي تحمل بين طياتها دروساً عظيمة هو ما رواه الإمام مسلم، وهو "كلّ عملِ بنِي آدَمَ لَهُ". هذا الحديث البسيط والمعاني العميقة فيه يستحق الوقوف عند تفاصيله لفهم العمق الديني والأخلاقي الذي يحتويه.
يجمع هذا الحديث كلاً من الأعمال الصالحة وغير الصالحة - مما يعني أنه يشمل كل تصرف وكل فعل يقوم به الإنسان. فبني آدم، حسبما يشير إليه النص، هم جميع الناس الذين ينتمون إلى نسب آدم عليه السلام. وبالتالي فإن نطاق التطبيق واسع جداً ويتضمن كافة جوانب الحياة اليومية للإنسان.
إن جوهر الحديث يدور حول مبدأ مهم للغاية وهو المسئولية الشخصية تجاه أعمال الفرد وكيف أنها ستكون محل محاسبة يوم القيامة. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تعليقه على الحديث: "حتى نظرة الرجل بالحب فينظر بها"، وهذا يعزز الفكرة بأن حتى الأفكار والنوايا قد تكون موضع حساب ومسائلة في الآخرة.
بالإضافة لذلك، يؤكد الحديث أيضاً على أهمية القصد والإرادة لدى الإنسان عند أدائه لأي عمل. فعلى سبيل المثال، إن قراءة القرآن برغبة صادقة وتذكر لله عز وجل لها وزن مختلف عما إذا كانت القراءة مجرد تكرار بدون فهم أو هدف حقيقي. الأمر نفسه ينطبق على أعمال البر والخير الأخرى.
وأخيراً، يُظهر لنا الحديث أيضًا ضرورة مراقبة الذات واتخاذ القرارات الحكيمة في حياتنا اليومية بناءً على إيماننا بالإله الواحد سبحانه وتعالى. نحن مدعوون لتحقيق التوازن بين متطلبات الدنيا ومعارج الجنة الأخروية عبر تنمية الروابط الاجتماعية المحبة والمشاركة المجتمعية الهادفة والالتزام بالقيم الإسلامية الحميدة.
وبذلك يمكن القول إن حديث "كل عمل ابن آدم له" ليس فقط وصفاً للمسؤولية الإنسانية ولكن أيضاً دعوة لتطبيق هذه المسؤولية بشكل أخلاقي وغائي، وذلك ترسيخاً لمبادئ العدالة الاجتماعية والتقدم الروحي وفقاً للشريعة الإسلامية.